العدد 63 من مجلة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي

تهنئة
بمناسبة عيد الفطر المبارك، يتقدم طاقم تحرير الدرب العربي إلى رفاقه في كل الأقطار العربية و في المهجر، و إلى الشعب الموريتاني و المسلمين عامة بأحر التهانئ و أرق المشاعر ، سائلا الله أن يغفر خطايا الجميع و يعيد هذه المناسبة السعيدة على أمتنا و على المسلمين و الإنسانية بأكمل حال من السلام و أتم مستوى من الرفاهية.
الدرب العربي..
” هوس” الحوار .. و الفشل المحسوم !!
لا جدال في أن الحوار قيمة إنسانية و لا اعتراض على الحوار … و لكن الحوار له دوافع و يتوخى أهدافا. و الحوار الوطني، و هو الذي يهمنا في هذه الزاوية، هو ذلك التنادي من القوى الوطنية الفاعلة في البلاد للتداول في قضايا وطنية جوهرية مستعصية بغية خلق مساحة من التفاهم و المشتركات لإيجاد حلول مبنية على مبدأ تنازل الأطراف عن أفكارها الحدية و مراميها المتطرفة لصالح المحافظة على ذلك المشترك. طبعا، في العادة يكون مبعث الحوار الوطني هو إيقاف اقتتال أهلي أو منع تدهور للوضعية الوطنية خوفا من انزلاقها نحو فتنة وطنية أو تفكك للكيان الوطني أو تفسخ مجتمعي… و هذا ما ليس موجودا في الحالة الوطنية بموريتانيا. صحيح أن الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد ، في ممارساتها الاستبدادية، ألحقت أذى بكل المكونات السياسية و إن بدرجات مختلفة، و صحيح أن نظام ولد الطايع تجاوز في بطشه بالسياسيين إلى ما يمكن نعته بالاستهداف العنصري لإحدى المكونات الوطنية. بيد أن تلك الممارسات المؤذية لم تتجاوز دائرة النظام و بعضا من أركان إدارته، بينما لم يكن للشعب الموريتاني و لا لأي مكون سياسي دور في تلك التراجيديا، رغم أن أصوات حركة افلام الإفرقية العنصرية لا تفتأ تتحدث عن دور للقوميين العرب، و لكنها عجزت عن أن تقيم دليلا واحدا على مزاعمها، و خاصة أن البعثيين، الذين ركزت عليهم حركة المشعل العنصرية، كانوا قبل فترة تصادم الظام و القوى الزنجية بسنة، موزعين ما بين سجون نظام ولد الطايع أو مشردين في منافي إفريقيا، بينما تمت تصفيتهم كليا من المؤسسة العسكرية و الأمنية. كذلك، منذ 1992، في عهد ولد الطايع نفسه، اعترف النظام ضمنيا بجريمته، و أقدم على خطوات لرأب الصدع و جبر الأضرار، كان من بين ذلك فتح الحدود لعودة المواطنين الزنوج الذين رحلوا من وطنهم ، كما أعيدت الحقوق للموظفين من بينهم… و تتالت بعد ولد الطايع المساعي لغلق هذا الملف بالاعتذار باسم الدولة في عهد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ، و بالصلاة، في عهد نظام محمد واد عبد العزيز، على الذين قتلوا … كذلك توالت عملية التعويض المادي و استعادة الحقوق. و بكل تأكيد، فإن ذلك كله لا يعوض الأعزاء، و لكن الدول التي مرت بمصائب مشابهة مرت بهذه الحلول. و مع ذلك، فإن السياسيين ، من حركة المشعل الإفريقي، انتهجت تكتيكا ذكيا ، فيما يشبه الابتزاز الممنهج، مع الأنظمة و هو تلقف ما يصلها من أموال و تعويضات ، بينما تترك الملف مفتوحا على أي تصعيد في أي لحظة تراها الحركة مناسبة للضغط على النظام القائم، أيا كان، عبر شبكة من التنظيمات ذات الطابع الحقوقي المدربة في المنصات الغربية على الابتزاز، فيما يتوارى أصحاب الدم عن المشهد عقب ما يتحصلون عليه ماديا من كل ابتزاز للنظام، فاسحين المجال للسياسيين يخططون لفرص ابتزاز جديد. الآن، يدرك الموريتانيون جميعا هذه اللعبة، و يدركون أن أطرافا سياسية، من خارج المكونة الزنجية، تستفيد في ضغطها على الأنظمة، من هذا الملف المعروف بالإرث الإنساني. كما باتت مطالب حركة المشعل الإفريقية ( فلام) تعجيزية للأنظمة، بعدما ركزتها، من بين أمور أخرى، في : نبش قبور القتلى من أفراد الجيش من الزنوج في أحداث 1991-1992، تحديد الضباط و الجنود العرب الذين نفذوا عملية القتل، محاكمة الأحياء منهم، من أعطى الأوامر بالقتل… و على المستوى الثقافي و الإداري، ترسيم اللغات الوطنية الزنجية، و تدريسها على نفس درجة اللغة العربية، تحديد محاصصة للسلطة منصوصة في دستور البلاد، فضلا عن وضع إداري خاص لهذه المكونات في وادي النهر ، لم تتضح تماما معالم ما يطلبونه فيه.
و استنادا لهذه المطالب، ما الذي بقي للسلطة الحالية من هوامش يمكن أن تتيح لها فرصة أخرى بأن تأتي بجديد في هذا الحوار ؟ و ما هي أهداف السلطة من حوار سقفه المقبول عند افلام و القوى المساندة لها معروف سلفا و لا تنازل عنه ؟ و ما الذي يمكن أن تتنازل عنه افلام من هذه القضايا الحاسمة بالنسبة لها ؟ و ما الذي يمكن أن تقبل به السلطة من هذه المطالب ؟ى و كيف تقبل القوى السياسية – المتخاصمة مع افلام على القواعد الشعبية في وادي النهر و المتحالفة معها ، في ذات الوقت، في إدامة هذا الملف مفتوحا – أن يفضي هذا الحوار لشيء يغلق مجالها الحيوي في المناورة مع الأنظمة و وسيلتها الوحيدة في الضغط عليها و على القوى السياسية المناوئة لها ؟ إنه يبدو أن العناصر التي زينت لرأس السلطة تنظيم حوار بلا دواعي و بلا أهداف مرسومة ، ستجد نفسها في مأزق عندما تفشل في تخطي العقبات التي توقفت عندها الحوارات السابقة؛ بل ستخرج سلطة الرئيس ولد الغزواني من هذا الحوار أكثر ضعفا و ستدرك، و قد فات الأوان، أنها استدرجت لمأزق سياسي كان بوسعها تجنبه أو تأخيره عن هذه المأمورية، كما أن النتائج السياسية التي ستترتب على فشل الحوار ستنضاف لسلسلة الفشل الذريع في شتى المجالات ، و خاصة في المجال الاقتصادي و في مجال إصلاح التعليم… و سيزداد صدود الشعب و ابتعاده عن هذا الرئيس، بعدما علق عليه آمالا في التغيير ، فإذا به يقتفي الأنظمة السابقة ، في نهج الفساد و الحوارات الكرنفالية الفارغة، حذو النعل للنعل…
حرب أكرانيا.. الولادة المؤلمة لنظام دولي جديد !
الحرب، الجارية في أكرانيا، تبدو في التفاصيل حربا روسية على أكرانيا، البنت العاقة، أو العزف المنفرد عن سينفونيته. و لكنها ، في العمق، حرب استيراتيجية بين حلف شمال الأطلسي و روسيا، وريثة حلف وارشو. و كما أسلفنا من قبل، في الدرب العربي، فإنه مهما تكن نتائج هذه الحرب، فإنها بداية لاستيلاد نظام دولي جديد بالضد من الإرادة الأمريكية و توابعها في المنظومة الغربية؛ طالما لم تدرك أمريكا أن فرض إرادتها و مصالحها الدولية على العالم لم يعد مقبولا من أكثر من جهة، و خاصة من روسيا و الصين، و هما دولتان نوويتان و ذاتا قدرات اقتصادية و تكنلوجية هائلة. إنه ما لم يستيقن صناع القرار في أمريكا أن اندلاع حرب عالمية ثالثة سيكلفها خسارة استيراتيجية عظيمة تتجاوز خسارتها فيما لو قبلت بالتعدد القطبي في العالم، فإن الحرب في أكرانيا ستتسع في جغرافيتها و في وسائلها لتشمل العالم. إن الغرب، يحاول بكل وسائله، حصر هذه الحرب في نطاق أكرانيا و يمني نفسه بهزيمة روسيا بسلاحه في أيدي الجيش الأكراني. لكن روسيا – بقدراتها العسكرية الرهيبة و قدراتها الاقتصادية و خلفيتها التاريخية و عزتها القومية، لن تقبل بالهزيمة و بحشرها في حدودها الإقليمية. إن التحليل المنطقي يقود إلى التأكيد على أن روسيا ستنقل الحرب خارج أكرانيا إلى الدول التي تدخل منها الأسلحة الغربية، و عندها سيكون حلف شمال الأطلسي كمن استدرج نفسه بنفسه للدخول في حرب عالمية ثالثة. و هنا، ستضطر الصين ، هي الأخرى، للخروج من استيراتيجية الصمت و تسيير الغموض بإعلان المواجهة إلى جانب روسيا. فهل تتدارك أمريكا الوضع العالمي و تقر بواقع عالم متعدد الأقطاب و تقبل بالإحجام عن التعدي على مصالح القوى القطبية الأخرى، أم ستركب رأسها و تعلنها حربا عالمية لا تبقي و لا تذر ؟ ، و أيا يكن الأمر، فإن البنية التنظيمية للعالم التي انبثقت عن الحرب العالمية الثانية قد انتهت ؛ و كان القصف الروسي لمصنع لصناعات الطائرات في اكييف، على بعد أمتار من المكان الذي أقام فيه الأمين العام للأمم المتحدة ، غوتريتش، مؤتمره الصحفي مع الرئيس الأكراني، زلنسكي، أبلغ رسالة لأمريكا و لنظامها الدولي على أن تلك البنية قد باتت من التراث السياسي للمجتمع الدولي، شأنها شأن بنية عصبة الأمم، عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية. لقد خدمت بنية الأمم المتحدة و منظماتها الغرب عموما و الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا، أكثر من سبعة عقود، و حان الوقت أن تستيريح من الخدمة على أيدي الروس و الصينيين… فهل يبقى العرب، و الحال هكذا، يتفرجون على أحداث عالمية كبرى و حاسمة في رسم معالم النظام الدولي القادم ليجدوا أنفسهم خارج موازين القوى الدولية الصاعدة ؟ أم تراهم سينقسمون، فيواصل أتباع أمريكا و بريطانيا ، من أقطار و تنظيمات إديولوجية، سيرة التبعية لهاتين الدولتين و حلفائهما من المنظومة الامبريالية الغربية… أم سيتوحد العرب و ينقضون، إلى جانب الصين و روسيا، على هذه الفرصة للتخلص من بطش أمريكا و حلفائها ، سعيا لبناء نظام دولي جديد يتطلعون فيه لإنصاف قضاياهم العادلة و مصالحهم السيتراتيجية المشروعة ، و لا يناصبهم العداء التاريخي لمنع وحدة أمتهم… ؟
في الانتماء للوطن ح2
الانتماء كمفهوم: هو قناعة وطنية سياسية راسخة تتجلى في تمثل الفرد لمنظومة القيم الإنسانية الفاضلة التي توارثها المجتمع وتواضع على أن تكون قانونا للحياة يحتكم إليه.
وبما أنه قناعة فهو شعور بالمسؤولية اتجاه المجموعة الوطنية، واستعداد دائم للتضحية من أجل الرفع من مكانة المجتمع إلى أرقى صورة مثالية ممكنة التحقق في ذهن المواطن. فالوطني بهذا التوصيف هو عنصر الارتكاز في بناء المجتمع الحديث ورقي ورفاه الشعب ،لذلك نراه مخلصا لوطنه ودودا لشعبه أثناء تأديته لمهامه،وإذا دعاه الواجب الوطني للدفاع عن حمى وطنه لباه غير هياب ولا خجِل.فهذا الوطني يكره العقليات السلبية المعيقة للانسجام والوئام الوطني،
كالقبلية الضيقة والجهوية الهشة والزبونية الهدامة والعنصرية المغرضة فيرتقى عليها واضعا نصب عينيه المصلحة العليا فهي فقط بوصلته التي يهتدي بها.
هذا الوطني من أجلٍ صفاته أنه شديد الزهو بوطنه ذكره ملئ فمه غيور على سمعته وتاريخه وتراثه وحوزته.ولا يرضى بديلا عن لغته الأم يحرص عليها حرصه على أثمن شيء في حياته ،لأنه يرى فيها الحضن الآمن على تراث مجتمعه كله. فليس مُنبَتا من جذوره لكنه ليس متقوقعا في شراك العصبية والانتماء القهقهري ،فهو إبن بار لوطنه وليس عالة على خراب أطوار التأسيس بل يحمل همه على عاتقه فيسد الخلل في مراحل التأسيس ويضيف من إبداعاته ما يقوم الإعوجاج ، ولايرتوى من الماء العكر بل من قيم الرجولة،وكلما زادت معارفه سخرها له واشتد يقظة وحيطة اتجاه تماسك نسيج مجتمه!
هذا الوطني ينشد المستقبل ولايخافه بل ينظر إليه بعين البناء فيرص أدوات البناء ويبعد معاول الهدم ،يتألم لمن لا يشاركه الهم الوطني ويحز في نفسه أن يسمع أن فلانا انتهازي للفرص فليس الوطن بغنائم وإنماهو ساحة تفاعل خلاقة لمختلف الثقافات.
عوامل تعزيز الانتماء الوطني:
وبعد أن جئنا بأهم سمات الوطني المنتمي لوطنه انتماء أصيلا لابد أن نستعرض أهم عوامل تعزيز الانتماء الوطني ومنها:
1. تعزيز مضمون دورس التربية المدنية للشباب خاصةقيم: الوفاء ، الإخلاص ،الانتماء للوطن. فمتى تعزز لدى النشء الشعور بالانتماء لوطنهم منذ بواكير وعيهم إلا وكان ذلك مِصدا للإنتماء الأسري والقبلي.
2. توفير الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع ولن يتأتى ذلك دون قيام ثورة زراعية تستوعب كل الطاقات المختزنة في فئات عريضة من العاطلين عن العمل وتقضي على التفاوت الطبقي كانعكاس للسعادة بالأمن الغذائي الذي يعد من أساسات السكينة والطمأنينة العامة” فلطالما حال الجوع دون ظهور ممكنات في الإنسان تعوق نهوضه ونضج وسلامة تفكيره”.
3.تحديد خط شروع متساو في الفرص أمام أمام جميع أبناء الوطن مع سيادة معيار الكفاءة .والعمل على الرفع من قدرات الفئات الأقل كفاءة حتى تقوم بدورها المطلوب في نشر ثقافة المواطنة.
4.تفعيل القوانين التي تحفظ كرامة المواطن . والابتعاد عن ابتزازه واحتقاره والاستهتار بحقوقه والدوس على انسانيته.
5.الاستجابة الفورية لكل مستغيث من أبناء الوطن من طرف السلطات الأمنية ومصالح الحماية المدنية.
6.ردع المفسدين والمتلاعبين بالمال العام .
7.حسن استغلال السلطة العمومية والابتعاد عن الشطط اللفظي والسياسي وتقوية الأحزاب السياسية.
الملكية العقارية في موريتانيا حيازة بلا مصدر شرعي.. !!
استوطنت في البلاد الموريتانية، منذ القديم، مجموعات بشرية عبر موجات متلاحقة لم تعرف الانسجام في الكيان الموحد إلا مع قيام الدولة المرابطية التي تحول زعماؤها من قادة قبائل تتقاسم النفوذ على المجال إلى قادة دولة إقليمية تحكم من ساحل العاج في غرب إفريقيا إلى الأندلس على مشارف أوروبا، وتحول مجال القبائل، التي أسست هذه الدولة، من مضارب للخيام تحتكرها خدمة للمرعى إلى حوزة ترابية لمجتمع مسلم يدين بالولاء للكيان المرابطي.
غير أنه مع سقوط الدولة المرابطية عادت البلاد إلى حال أسو مما كانت عليه قبل المرابطين، حيث ساد الاقتتال والسلب وتهجير المستضعفين من الأماكن التي كان يطيب لهم فيها المقام، وتم توزيع المجال،حسب النفوذ، إلى أقاليم ذاتية لا حق فيها لغير القوي .
وهذا التشرذم المجالي للبلاد وما واكبه من صراعات قبلية، اتخذه بعض الوجهاء الروحيين حجة لفتح الطريق أمام فرنسا كي تتدخل بغية فض النزاعات القبلية والجهوية بما يضمن تحقيق(السلام ويصون دماء المسلمين) .
وهكذا دخلت فرنسا حاملة خطابها المعسول فوق السم … وبدلا من أن ترسي دعائم السلم في ظل دولة موحدة، كما أوهمت حلفاءها، قامت بتعميق الخلافات من خلال توزيع الأراضي ضمن سياسة الاستعمار المعروفة”فرق تسود” وأعطت المقربين منها نصيب الأسد من البلدات (المشرعة) بعقود عقارية هي التي يتباهى بها اليوم ملاك العقار كأهم مصدر شرعي تليد لديهم !.
الدولة الوطنية عندما باشرت تسيير الشأن العام لم تدخل في إقناع المواطنين بأن الأرض لكافة الشعب تثبت حيازتها بمحض الحاجة وضرورة الاستغلال، بل اعتبر العقود الاستعمارية وثائق تثبت ملكية الأرض وبقيت هي على الحياد حتى الآن إلا في الحالات التي يكون النافذون في الدولة بحاجة إالى قطع يستغلونها في تنمية مواشيهم أو يوطنون بها مقربيهم الاجتماعيين أو السياسيين ؛ وقتها يستغلون نفوذهم لإجبار الملاك على التنازل خوفا كما أرغم الملاك المستضعفون من قبل على مغادرة مواطنهم… وهذه الدوامة هي التي حصلت بها ولا تزال الملكية العقارية وهي المصدر الشرعي الوحيد لإثبات حيازتها للأسف.
لك الله يا شعبي !!
ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا و تتصاعد فيه أسعار المواد الغذائية و أسعار مواد أخرى لا تستمر الحياة بدونها.و مع هذا الغلاء الجنوني و الفوضى العارمة في نهب ثروات البلد و أموال الشعب، تتفاقم محنة الموريتانيين و تتضاعف صور معاناتهم دون أي بصيص أمل في نهاية هذا الواقع المرير لشعب لا يبلغ تعداده ساكنة حي من مدينة كبرى في دولة من هذا العالم؛ و فضلا عن ذلك حباه الله بإقليم شاسع و غني بشتى أنواع الثروات المتجددة و الناضبة. أي شعب فقير في وطن غني تسببت له في هذا الواقع أنظمة سياسية فاسدة و نخب مفسدة تسلطت على ثرواته فحولتها أملاكا شخصية لأفراد تافهين و رديئين، لم يرقبوا يوما في هذا الشعب ذرة من رحمة و لا إحساسا بروح الأمانة و المسؤولية. إن من يرصد أوضاع الموريتانيين يدرك أنهم ولّوا ظهورهم لهذه السلطة التي عجزت أن تبني نظاما يعطيها هوية تميزها عما سبقها، و إنما بقيت مجموعات لا يجمع بينها إلا التفاهة و لا ينتظم أفرادها إلا خيط الفساد و الإفساد. فالشعب الموريتاني، منذ مات فيه الأمل بالسلطة القائمة على ” المعدومية”، ما عاد يهتم بسيل مقابلات الفاسدين الناطقين باسم واجهات السلطة المتمثلة في القطاعات الحكومية، و لا يعير اعتبارا لكرنفالات اليافطات الحزبية التي تتبادل أدوار التتفيه للشأن العام و ” تعهير” السياسة كمجال للتنقيب عن الوطنيين و لصناعة هؤلاء الوطنيين . و في هذا الواقع شديد الصعوبة ، اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا، و في ظل نظام هو الأكثر ضعفا و ارتهانا لمافيا الفساد، يتطلع الموريتانيون، بلسان الحال و الصدود عن المقال، إلى رفع هذه السلطة في علم الله الواسع، بأقل الأضرار على البلاد، و بأمل تنزل رحمة الله على هؤلاء العباد…
مايهم الفقراء
النوعية الوزن السعر
أرز محلي كغ 320
أرز أجنبي 600
زيت ل 800
سكر كغ 400
حليب( سليا إنكو) 2000
حليب (قلوريا) 150
حليب( روز) 350
ألبان وطنية 300
مكرونة مدينة 400
مكرونة أطلس 400
بصل 300
بطاطا 300
طماطم 500
جزر 350
لحم غنم 2700
لحم إبل 2200
لحم عجل 2000
دجاج أجنحة 1200
سمك (كيبارو) 1500
سمك (جي) 600
سمك ممتاز 2500
القمح 280
صابون صغير 100
دفاعا عن اللغة العربية و الهوية !!
يواصل نشطاء ما يعرف “بتنسيقية المنظمات الثقافية البولارية و السوننكية و الولفية” حملتهم المطالبة بترسيم ما اصطُلح على تسيميته باللغات الوطنية، البولارية و السوننكية والولفية، إلى جانب العربية. لتوضيح الرؤى و خلفيات هذا الموضوع نورد الملاحظات التالية :
1- يجب التأكيد على ضرورة الإسراع فى عملية إصلاح التعليم. إننا نلاحظ فى هذا الموضوع تباطؤا واضحا و عدمَ جديةٍ رغم التأكيدات الرسمية و بعض الإجراءت الشكلية.
2- حق التعليم مكفول لكل موريتاني و ينبغى توفيره دون تأخير بجميع اللغات الموريتانية.
3- لقد حدد دستور 1991 بوضوح و بشبه إجماع طبيعة هذه اللغات، و قرر فى مادته السادسة أن اللغات الوطنية هي العربية و البلارية و السوننكية و الولفية، وأن اللغة الرسمية للشعب الموريتاني هي العربية .. و لم يشر الدستور لا من قريب و لا من بعيد إلى اللغه الفرنسية، اللغة الأجنبية، التى هي – رغم ذلك و خلافا لكل منطق – رسمية على أرض الواقع.
4- اللغة العربية هي كل ما تبقى من هُوية الأغلبية الساحقة من الشعب الموريتاني. أما العناصر الأخرى لهذه الهوية مثل التواصل مع الأمة العربية و التوجه الطبيعي الذى يُمليه حق الاكثرية العددية الخ … فقد حُسم أمر هذه العناصر منذ زمن بعيد. فالعزلة عن الأمة ما زالت مضروبة على البلد. و طمس شخصيته الثقافية و الحضارية هو من ثوابت الوضع الأعرج بسبب الأسس التى بني عليها .. لهذه الاسباب إذن أصبح الدفاع عن اللغة العربية و العضُ عليها بالنواجذ مسألة إجماع عند الجماهير.
5- لا تعدو المطالبة بترسيم لغات لم تزل تتلمس طريقها للارتقاء عن طور لهجات لا أبجدية لها، و لا يزيد الناطقون بها من الفئات الزنجية الموريتانية الثلاث مجتمعة، عن مليون إنسان، لاتعدو إلا من باب ردود غير مباشرة على كسر هيبة الصنم الفرنكفوني، و حنين يتامى اللغة الفرنسية الذين أصبحوا على يقين من أن زوال هذه اللغة الفرنسية الاستعمارية بات محتوما، بعدما عمرت طويلا في لعب دور لغة التواصل بين مكونات الشعب الموريتاني !
6- يمكن إذن اعتبار الحملة المذكورة معركة خلفية غير مصرح بها للفرنكوفونية، هدفها التشويش و خلط الأوراق و استفزاز الأطراف المتمسكة بالثوابت و بالدستور. وهو ما لا يخفى على أقل الناس اطلاعا و يستوجب على الطلائع القومية مواجهتها و تعرية أهدافها المشبوهة.
7- الدليل على عدم أصالة هذا التحرك المشبوه، الذى تظهر فيه بوضوح بصمات منظمة “فلام” العنصرية الانفصالية، هو أن هذا الحراك لا ينبنى على أية أسس وطنية أو منطقية. يدَّعى قادة هذا التيار ،زورا، أنهم يمثلون الأإخوة الزنوج الموريتانيين، الفلان تحديدا .. و هو ادِّعاء لا يصمد أمام الواقع، حيث أن هذا المكون الكريم لا يفْتأُ يبرهن على تشبثُه بلغته العربية، لغة تعبده و تعلمه، و لا يقيم وزنا للغة الفرنسية كما برهن على ذلك عبر التاريخ، ابتداء من الشيوخ سليمان بال و الحاج عمر الفوتي وصولا إلى الحاج محمود با رحم الله الجميع، و إلى الدكتور السوننكي محمد كوريرا و رفاقه حاليا فى (الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية و تطوير اللغات الوطنية)، برئاسة الشخصية الفلانية البارزة النائب صو أبو دنبا .. الدليل الآخر على تهافت حملة “منسقية المنظمات الثقافية للغات الوطنية” هو استحالة تطبيقها على أرض الواقع – و القائمون عليها يعرفون ذلك قبل غيرهم – و كونها بِدعةً عالمية لم يأت بها إلا هؤلاء. بالفعل كيف يتم عمليا ترسيم أربع لغات؟ كيف سيتم تسيير الإدارة؟ هل نعتمد الترجمة من وإلى أربع لغات؟ و نطبع أربع رأسيات؟ و إلى أية لغة ستتم الترجمة؟ أإلى الفرنسية، فلم يتغير شيء؟… حتى الخيال لا يستطيع الإجابة على هذه الاسئلة. رغم ذلك يُعبَّأ البسطاء و تُهيَّج عواطفهم ثم يُدفع بهم فى الشارع و أمام وزارة التعليم رافعين شعارات بائسة.
8- المؤطرون لهذا التحرك العبثي المشبوه قلة قليلة جدا، لكنهم نشطون أيضا جدا و تُحرِّكهم أيادى خارجية لها مصلحة فى بقاء الحكامة و التواصل بين فئات الشعب الموريتاني للغة أجنبية لا دستورية.
9 – هل فكَّرَ نشطاء منسقية “المنظمات الثقافية الزنجية” فى لغة التواصل التى يقترحون لهذه الفئات الثلاث؟ أم السؤال غير مطروح بالمرة بالنسبة إليهم؟ لغة التواصل ستظل الفرنسية بطبيعة الحال، أليس كذلك !!؟. لكن أين العربية و مشروعيتها الدستورية و كونها لغة ديننا الجامع و و و ؟
10- مع أن هذه الحملة تظل زوبعة فى فنجان لو بقيت على حجمها الضئيل، لكنها تسند ظهرها إلى أطراف خارجية لها قدرة على التأثير فى الوضع الداخلي، و لأن لها كذلك سندا فى الداخل مثل حزب (قوى التقدم) “اليساري” الذى لم يبخل فى الماضى بمساندته لهذا التيار الانفصالي المتطرف، و يصدر اليوم بيانا يسانده فى المطالبة بترسيم هذه اللغات. و مثل شخصيات بارزة من تيار الإسلام السياسي …
11- ما دامت الحملة إذن بهذا القدر من الرعاية الداخلية و الخارجية، فقد أصبح من الضروري مواجهتها باعتبارها تستهدف قبل كل شيء – و هذا ما لا يجب أن يغيب عنا – الحصن الأخير لهويتنا، لغتنا العربية، الذى نتحصن به من دَكَّ الشعوبية المستمر … مواجهة هذه الحملات بالنضال السلمي الصارم و المتعدد الأوجه : توعية الجماهير، الوقفات الاحتجاجية، العرائض بتوقيعات مليونية، المقالات، الكتابات على جدران التواصل الاجتماعي …
هل موريتانيا بلد فقير غني .. أم بلد غني فقير؟ (الحلقة الثانية)
نعم، موريتانيا غنية جدا بمواردها الطبيعية فوق الأرض وتحت الأرض و فى البحر و فى السماء، و لم نذكر قطاع السياحة و ثروات معنوية أخرى كذكاء الموريتانيين المعروف و غيره .. لكن لكي لا نظل تنطبق علينا الحكمة الشعبية الماثورة (شاف ازراكو ال ما ظاكو) يجب علينا التفكير فى تحقيق إقلاع اقتصادي و ثقافي و سياسي اعتمادا على الله أولا، ثم على هذه المعطيات الجد هامة. تطور يمكن أنجازه إذا أخذنا بالاعتبار الأمور التالية :
1- تشخيص علمي محايد يُبيِّن بكل موضوعية نقاط القوة و مكامن الخلل فى الوضع الحالي
2- تغيير جذري فى الحكامة الحالية و اعتماد الوطنية كمعيار وحيد للعمل
3- الواقعية السيتراتيجية التى لا تنبنى على العاطفة وحدها لكن على تصور مستقبل مزدهر للبلاد الموريتانية على المديَيْن المتوسط و البعيد. إن موريتانيا التى لا يزيد عدد سكانها على أربعة ملايين لا يمكنها الوصول إلى التطور المطلوب. حتى و لو توفرت لها جميع الظروف المطلوبة. ذلك لأن عالم التكتلات الكبيرة اليوم لا يترك للبلدان الصغيرة إلا خيارا وحيدا هو التبعية للأقوى. فمن الحكمة بمكان أن يبحث بلدنا عن صيغة توفر له حدا أدنى من الحماية و الخروج من التقوقع المدمر، و لا يكون ذلك إلا بالتنسيق أو الاتحاد أو الاندماج فى اتحاد المغرب العربي، لما بين شعبنا و الشعب المغاربي من وشائج قومية و أسرية حتى، و من تماثل ثقافي. و ما لهذا الاتحاد كذلك من إمكانات قد تفيد بلدنا فى النهوض المنشود. نعلم أن أوضاع المغرب العربي الحالية و العلاقات بين أعضائه لا تُشجع على الانضمام إليه .. و تنتهز الاوساط الشعوبية و أعداء هوية الشعب الموريتاني العربية تلك الأوضاع لترويج نظريتها الهادفة إلى إبقاء موريتانيا مفتوحة على الجنوب الأفريقي، معزولة عن محيطها المغاربي و العربي. لكن إذا افترضنا استمرار هكذا توجه، أليس الانضمام إلى الفضاء المغاربي افضلُ من وضعية اللاَّدولة التى سلطنا الضوء الكاشف عليها؟
خلاصة القول إن موريتانيا بلد غني و فقير فى ذات الوقت، حسب الزاوية التى ينظر إليها منها كما رأينا مفصلا. لكن عندما يحكم رئيس الدولة على واقع بلده بهذا الحكم القاسي فعليه أن يذهب إلى منتهى منطقه. إما أن يعمل على تغيير الواقع و ما يترتب على ذلك من مراجعات قاسية .. وإما أن يعتزل القيادة .