لماذا البعث..؟
لماذا البعث..؟
لقد انتمت قبلنا إلى البعث أجيال من المناضلين المضحين الأنقياء الذين فكروا بواقع الأمة التي ينتمون إليها ؛ فكروا بالظلم والفساد والاستغلال والتجزئة والجهل والتخلف والاستعمار والاغتصاب ؛ فكروا بهذه الأمراض وغيرها مما أصاب الأمة ونخر جسدها، ووجدوا أنها أمة تستحق مكانة أرفع مما هي عليه، فهي عظيمة عريقة ؛أبدعت على مدى العصور سلسلة من الحضارات، وقدمت للإنسانية خدمات كبرى يوم كانت أجزاء كثيرة من العالم تعيش في ظلام دامس. نعم.. فكر المناضلون بكل هذا، وطمحوا إلى تغيير واقعها وإنقاذها من الأمراض التي تعانيها، وتمكينها من صنع مستقبل جديد لها ؛مستقبل تتحرر فيه من النفوذ الاستعماري والاغتصاب الصهيوني، وتتخلص من الظلم والفساد والتخلف، وتوحد وطنها الممتد من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي؛ وتبني لنفسها كيانا جديدا موحدا، قويا،متحضرا خاليا من الطغيان والتسلط والقهر والاستغلال، كيانا يمكن الفرد من أن يعيش الحياة التي يستحقها ويؤدي دورا إيجابيا خلاقا ومبدعا في المجتمع دون أن يعيقه عائق خارجي، ويمكن الأمة نفسها من النهوض والتقدم وتأدية دور جديد في المجتمع الإنساني يتناسب وعظمة تاريخها، وخصب حضارتها، وضخامة طاقاتها، وتنوع ثرواتها،وأهمية موقعها الجغرافي الذي يتوسط العالم، قديمه وحديثه.
لماذا البعث.؟ (2)
…. نقول إن أجيال المناضلين البعثيين فكروا بكل هذا قبل أن ينتموا إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ولكنهم وجدوا أمامهم أحزابا كثيرة متنوعة الأهداف والأساليب والخطط والارتباطات. وجدوا أحزابا ذات ارتباطات مشبوهة بالقوى الأجنبية والدول الخارجية فنبذوها. ووجدوا أحزابا لم تكن سوى تجمعات للمستغلين من الاقطاعيين والرأسماليين، ومن المتنفذين المتسلطين فصدوا عنها. ووجدوا أحزابا ذات أهداف طبقية محدودة وأفكار إلحادية جاهلة ونزعة إنسانية زائفة فأعرضوا عنها. ووجدوا احزابا، في جوهرها، تجمعات طائفية أو فئوية أو عشائرية تمزق جسد الأمة فنفروا منها. ووجدوا أحزابا ذات أهداف معقولة، ولكنها أحزاب قطرية ضيقة الأفق يهمها القطر الذي ظهرت فيه ولا تهمها الأقطار العربية الأخرى، فعافوها. وخلاصة القول، إنهم وجدوا أحزابا من كل نوع :أحزاب تدعي الوطنية، وأخرى تدعي القومية، وأخرى تبشر بأهداف دينية، وأخرى تدعوا لأهداف طبقية أو فئوية ضيقة، ولكنهم رأوا في كل حزب من هذه الأحزاب عيوبا فكرية أو سلوكية، أو فكرية وسلوكية معا، تجعل منها أداة لتمزيق جسد الأمة بدلا من توحيده، وتضعف نضالها بدلا من أن تقويه، وتخدم مصالح فئات طفيلية محدودة بدلا من أن تخدم مصالح أبناء الأمة جميعهم، وتفرط باستقلال الأمة وتحررها من النفوذ الأجنبي بدلا من أن تدعم استقلالها وتحرر إرادتها. وكثيرا ما حفل تاريخ هذه الأحزاب بالشبهات والمثالب، وكثيرا ما سلكت في أعمالها عكس ما ادعت في أقوالها، وكثيرا ما وصل بعضها إلى السلطة واتكأ إليها وكأنها هدفه الأخير، واستغلها لنفسه ومصالحه الأنانية ولم ينتج للشعب أي طموح أساسي من طموحاته، أو أي هدف جوهري من أهدافه. (يتواصل)
لماذا البعث.؟ (3)
البعث هو الخيار الأمثل..
هذا هو ما وجده المناضلون البعثيون من أحزاب في المجتمع العربي حين فكروا في واقع أمتهم ومستقبلها، وقرروا أن يعملوا على تغيير هذا الواقع الفاسد وبناء مستقبل جديد للأمة.
ولذلك أعرضوا عنها وامتنعوا عن الانتماء إليها. وبحثوا لأنفسهم عن حزب آخر يعبر عن آمالهم وطموحاتهم الوطنية والقومية، حزب منبثق من الأرض العربية وليس له أية ارتباطات بالقوى الخارجية والدول الأجنبية، حزب يجسد في أهدافه أهداف الأمة ويعبر في فكره عن هويتها الحضارية ويحمل على عاتقه واجب تحقيق رسالتها الانسانية،وله من أساليب العمل وخطط النضال وعروبة الانتشار والتكوين ما يجعله أهلا للأهداف التي ينادي بها وقادرا على تحقيقيها.. نقول إن المناضلين البعثيين بحثوا، قبل انتمائهم إلى البعث، عن حزب هذه صفاته ومزاياه، فلم يجدوا هذه الصفات والمزايا في أي حزب من تلك الأحزاب. بل وجدوها في البعث نفسه، ولذلك انتموا إليه، وناضلوا في صفوفه وربطوا مصيرهم بمصيره ومستقبلهم بمستقبله، واسترخصوا كل تضحية في سبيل تحقيق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وظل كل جيل منهم يبشر الجيل الذي يليه ليشاركه حمل المسؤولية، ويمضي معه على طريق النضال. (يتواصل)
لماذا البعث.؟ (4)
… ولكن ما هي صفات البعث ومزاياه التي جعلت المناضلين يقتنعون به ويفضلونه على غيره من الأحزاب التي ظهرت في الوطن العربي، واضمحل بعضها حتى تلاشى واختفى، وظل بعضها الآخر يراوح في مكانه عاجزا عن تحقيق أهدافه؟.. ماهي تلك الصفات والمزايا التي تجعل البعث في نظر المنتمين الجدد إليه أفضل من كل الأحزاب الجديدة التي تظهر من حين لآخر في هذا القطر العربي أو ذاك من الأقطار العربية؟. ما سر تلك الجاذبية التي يتمتع بها البعث وتجعل الأجيال الجديدة من الشبان والشابات يقبلون عليه ويختارون الانتماء إليه ويصدون عن الانتماء إلى غيره من الأحزاب: قديمها وجديدها؟. إن هذا السر يكمن في صفات البعث ومزاياه، في أهدافه وأساليب عمله، وخطط نضاله، وفي طبيعته القومية وانتشاره في الأقطار العربية، وفي وحدة فكره وتنظيمه، وفي تاريخه النضالي الحافل بالمآثر وسيرته النظيفة. فالبعث ينظر إلى العرب بوصفهم أمة واحدة عريقة ذات حضارة عظيمة قدمت للإنسانية خدمات كبرى، ويعد تجزئة العرب في دول ودويلات متناحرة أمرا طارئا ومرضا قابلا للشفاء، وأن الاستعمار والصهيونية والرجعية والجهل والتخلف والأنانية وضيق الأفق هي التي مزقت جسد الأمة، ومازالت تسعى لتمزيقه أكثر فأكثر ؛ وإذن جعل (الوحدة العربية) في مقدمة أهدافه. ففي الوحدة يعود جسد الأمة إلى وضعه الطبيعي، ويشفى من أمراضه ويرجع كما كان جسدا واحدا قويا متماسكا. والبعث يسعى إلى تحرير الوطن العربي من الاحتلال والاغتصاب والهيمنة الأجنبية والأمة كلها من الاستبداد والتسلط والقمع والاستئثار. ولذا، جعل (الحرية) هدفا من أهدافه الأساسية. ففي مناخ الحرية والديموقراطية تستعيد الأمة إرادتها المستقلة وتتحرر شخصيتها، ويستعيد المواطن العربي انسانيته ويتخلص من القيود التي تكبل جسده وروحه وتمكنه من تحرير طاقاته والقيام بدوره الايجابي في المجتمع… (يتواصل).
لماذا البعث.؟ (5)
… والبعث يرفض استغلال طبقة، مهما كانت، واستئثارها بالسلطة والجاه والنفوذ والثروة على حساب الطبقات الأخرى في المجتمع العربي، ولذا جعل (الاشتراكية) ثالث أهدافه الرئيسة. ففي المجتمع الاشتراكي تتحقق العدالة الاجتماعية وتنمو الثروة القومية، وتتحرر الأمة من الاستغلال الطبقي والاستئثار ويتحرر الانسان العربي من الحاجة والفقر والجهل والتخلف، ويصبح قادرا على ممارسة حريته وحقه في مشاركة الآخرين في ثروات الأمة ويستطيع أن يحرر طاقاته الخلاقة المبدعة. والبعث يرى أن هذه الأهداف الثلاثة، أهداف مترابطة متكاملة، يعطي كل منها للآخر معناه وغايته. والعلاقة فيما بينها علاقة حية وثيقة. فالوحدة لا تكون وحدة حقيقية وقوية وفعالة بدون الحرية والاشتراكية. والحرية لا تتحقق بمعناها الواسع والفعال إلا في مجتمع موحد اشتراكي. والاشتراكية لا تكون اشتراكية وفرة ورفاه وعدالة وتوازن وتقدم إلا في محيط مجتمع عربي موحد؛ ثروته هي ثروة الأمة كلها وليست ثروة قطر من أقطارها؛ وما لم تكن هذه الثروة في يد الأمة وليس في أيدي الشركات الأجنبية، أو في أيدي قلة من الحكام الفاسدين والفئات الاجتماعية المتسلطة والأفراد المستغلين الجشعين. والبعث حزب قومي انساني ضد التعصب والانغلاق وقهر الأمم الأخرى والاستيلاء على أراضيها واغتصاب ثرواتها.. وهو يؤمن بأن الأمة العربية قادرة على خدمة الانسانية كما خدمتها في الماضي حين حملت إليها رسالة الاسلام، وقدمت لها ثمار حضارتها، وساعدتها على الأخذ بأسباب التطور والتقدم، والخروج من ظلام العصور الوسطى.. فالأمة العربية أمة ذات رسالة، وهي قادرة على تجديد رسالتها ؛ ولذا جعل البعث العمل لتجديد هذه الرسالة شعارا له. والبعث حزب مؤمن ينفر من الالحاد ويدينه، ويعتقد بأن العروبة جسد روحه الاسلام. والبعث ضد الطائفية والعشائرية والتعصب للمدينة أو الجهة، أو الإقليم، أو القطر، لأن هذا كله مما يفرق أبناء الأمة، ويجعل بعضهم ضد بعض، ويسلط بعضهم على بعض، فيقمعه ويستغله، ويمكن أعداء الأمة من الاندساس في صفوفهم، وإثارة النعرات في ما بينهم، ويجعلهم عاجزين عن تحقيق أهدافهم العادلة. والبعث حزب ثوري يؤمن بالأساليب الجذرية في العمل السياسي، ويرى أن اساليب التطور المتدرج والإصلاح البطيء هدر للزمن وتفريط بالجهود، لأن عصرنا عصر إيقاع سريع، تدور عجلته بسرعة متزايدة، وما لم تغالب الأمة الزمن وتسابقه فإنها تضيع الكثير من فرص التقدم والنهوض. والبعث حزب قومي الانتشار له في كل قطر تنظيم، ولكن تنظيماته موحدة في الفكر والعمل والقيادة، وتعمل معا كأنها يد واحدة لجسد واحد، من دون أن تغفل خصوصيات الأقطار العربية أو تستهين بها، وهذا ما يجعله معبرا بتنظيمه عن وحدة الأمة قبل تحققها، ويمكنه من تحقيق الأهداف القومية بصورة أفضل وأكثر فاعلية… (يتواصل).
لماذا البعث؟ (6)
والبعث حزب مقدام شجاع، مضح لا يهاب حاكما فاسدا و لا يخشى قوة أجنبية، و لا يخاف خوض المعارك ضد المستعمرين والصهاينة والحكام الرجعيين الفاسدين، مهما كانت قوة هؤلاء، ومهما كلفته المعارك من التضحيات. هذه هي صفات البعث ومزاياه ؛ وهي الصفات والمزايا التي جعلت منه مدرسة نضالية فريدة ن تخرجت منها أجيال من المناضلين الثوريين الشجعان، وظلت هذه المدرسة محتفظة بشبابها وقدرتها على التطور والتجدد واستقبال الأجيال الجديدة وتأهيلها للنضال من أجل تحقيق أهداف الأمة وخدمة الجماهير العربية. والمناضل البعثي الحقيقي هو من تحلى بصفات حزبه، وطهر نفسه من أدران الواقع الفاسد وأمراضه، وحرر عقله من التعصب والانغلاق والتردد والخوف، وغدا صورة للحزب مثلما الحزب صورة معبرة عن الأمة في حالة نهضتها وانبعاثها. وستكشف هذه الصفات والمزايا على نحو أعمق وأوسع وأغنى كلما طال عمرنا النضالي، وتعمقنا في قراءة فكر الحزب ومؤلفات قادته ومفكريه، وتتبعنا تاريخه واطلعنا على مآثره وتفاصيل معاركه المجيدة..
(يتواصل).
لماذا البعث.؟ (7).. وما معنى النضال في صفوف البعث؟
النضال كلمة غنية بالمعاني، وقد تبدو كلمة عادية بسيطة من كلمات اللغة التي نتداولها، شأنها في ذلك شأن أي كلمة أخرى، ولكنها في الواقع كلمة عميقة مليئة بالمعاني العميقة والدلالات. فهي كلمة مشعة لها بهاء وجلال في عقول الذين يفهمون معانيها ودلالاتها، ولها تأثير قوي وعميق في نفوسهم. ومهما كثر استعمال هذه الكلمة في الكتابات والأحاديث الفكرية والسياسية، ومهما اختلفت غايات الذين يستخدمونها وتناقضت أهدافهم، فإنها تبقى كلمة حية تدل على معانيها الشريفة التي لا ينجح الأدعياء والكذب في العبث بها وتزييفها. ولكلمة (النضال) في القاموس البعثي الفكري والسياسي مثل هذا الغنى بالمعاني، وهذا الشرف في الغايات وهذا الجلال الذي يهز الوجدان ويحرك الضمير وينشط العقل ويهذب النفوس وعاداتها وسلوكها. فالنضال هو الشعور بمعاناة الأمة العربية الناجمة عن الواقع الفاسد الذي تعيشه ؛ واقع التجزئة والاستغلال والتخلف والقمع والاضطهاد والهيمنة الاستعمارية على ثرواتها الغنية. فلا بد لكل عربي، مهما كان، ومهما كان عمره ووضعه الاجتماعي والثقافي من أن ينتبه إلى ما تعانيه الأمة نتيجة ما مر بها في تاريخها من غزوات الطامعين في ثرواتها وما نجم عن هذه الغزوات من دمار وتخلف وركون إلى الكسل والإهمال والركود والانسحاب من ميدان العمل الحضاري المبدع الخلاق، الذي يجعل الأمم جديرة بالحياة ويمنحها دورا في تقرير مستقبل الانسان على الأرض وبناء حضارته على أسس العدل والمساواة والسيادة والاحترام المتبادل. ولا بد لكل عربي من أن ينتبه إلى ما تعانيه الأمة من التجزئة في أقطار عديدة تتسلط عليها أنظمة يرتبط كثير منها بالاستعمار ويخضع لهيمنته ونفوذه ويضع بين يديه ثروات الأمة أو يبددها على أهواء زعمائه وأعوانهم [… ] ولا بد لكل عربي من أن ينتبه إلى ما تعانيه جماهير الأمة الواسعة من هيمنة الطبقات الطفيلية في المجتمع العربي وثرائها الفاحش اللامشروع، وإنفاقها الأموال على الأهواء والملذات على حساب الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة الفقراء والمعدمين الباحثين عن حقهم في حياة فيها العيش الكريم. ولا بد لكل عربي من أن ينتبه إلى ما تعانيه الأغلبية الساحقة من أبناء الأمة من قمع الأنظمة الفاسدة وتسلط فئات معزولة على مقدراتها، وقيام هذه الفئات بتغييب إرادتها والتعامل معها تعامل الراعي مع قطيع أغنامه يهش عليها بعصاه ويسوقها حيث يريد… (يتواصل).
لماذا البعث.؟ (8).. وما معنى النضال في صفوف البعث؟
… ولكن لا يكفي أن ينتبه العربي إلى هذه المعاناة ويشعر بها، بل لا بد له من أن يشعر بالمسؤولية تجاهها ؛ فكل فرد في الأمة، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، ينبغي أن يشعر بالمسؤولية تجاه الواقع الفاسد الذي تعيشه أمته، لا لأنه ينتمي إليها بصفته ابنا من أبنائها فقط، بل لأن ما تعانيه الأمة ينعكس عليه أيضا ويؤثر في حياته الخاصة وفي كيفيات التمتع بحقوقه الانسانية والقيام بأعماله وواجباته. والشعور بالمسؤولية لا يعني التألم بآلام الأمة والتحسر عليها، كما يحدث حين نسمع عن كارثة حلت بشعب من الشعوب، بل يعني العمل على تغيير الواقع الذي تعانيه واقتلاع أسبابه من جذورها […] غير أن العمل من أجل تغيير الواقع الفاسد الذي تعانيه الأمة لا يكون عملا إيجابيا مثمرا ما لم يكن عملا جماعيا منظما. فالعمل الفردي لا يستطيع أن يغير واقعا فاسدا لأمة بكاملها، لأنه عمل جزئي، محدود الفاعلية والتأثير، سرعان ما يدفع الفرد اليأس والإحباط (إلى الكسل والاستسلام) حين يصطدم بأولى العقبات التي تواجه عمله، ولأنه سيكتشف أن تغيير واقع فاسد أكبر من حدود امكانياته الفردية وقدراته الخاصة، وعندئذ سيقوده اليأس إلى الشعور باللاجدوى […] فالنضال في صفوف البعث ليس مثل الانتماء إلى جمعية خيرية أو ناد رياضي أو نقابة مهنية (أو واجهة سياسية انتخابية أو مناورة إعلامية)، بل هو عمل من أجل أهداف كبرى وغايات أكثر سموا ونبلا: هي تحرير الأمة وتحقيق نهضتها الشاملة لتشارك مشاركة فعالة في بناء الحضارة الانسانية على أسس عادلة وسلمية. وعمل جبار كهذا، لا يمكن أن يكون هواية أو عملا مزاجيا كيفيا ن أو عملا مؤقتا طارئا، بل هو عمل منظم طويل المدى يقوم على التضافر والاخلاص والأمانة والنزاهة والصبر. وعمل كهذا، يتطلب من كل منتم إلى الحزب أن يؤدي دورا صغيرا أو كبيرا في مجالات نشاطه السياسي والاجتماعي والثقافي على وفق ما يحدده له الحزب نفسه.. (يتواصل).
لماذا البعث..(9)
في الأعداد السابقة قدمنا حلقات مسلسلة مبسطة في أسلوبها ومكثفة في مضامينها عن حزب البعث العربي،وكانت متكاملة ومكملة لسلسلة أخرى عن الحزب في المجلد الأول من ” الدرب العربي”، تحت عنوان (رسالة إلى أخ من الفلان). وقد تناولت تلك الحلقات، كما هي حال هذه، أسباب نشأة حزب البعث وتاريخه النضالي وأهدافه القومية وقاعدته الفكرية والإيديولوجية لفائدة مؤيدي الحزب وأنصاره، وخصوصا أولئك الذين يتطلعون إلى معرفة موضوعية عن الحزب، دون تعصب أو تحيز وخصومة تدفع، في العادة، أصحابها إلى نشر صورة مزيفة ومحرفة للحزب بهدف تشويه مواقفه ومنطلقاته الفكرية في عيون الجماهير العربية خصوصا والمسلمين عموما. وعندما بقي الحزب وحده في ساحة المنازلة الكبرى يواجه مجموع الأعداء التاريخيين والإقليميين، و نكس الأدعياء (من كل عنوان) شعاراتهم أمامهم، منذ تفردت أمريكا بالقرار العالمي وبالذات بعد احتلال العراق، تضاعفت حملات التشويه والتحريف ضد الحزب ورموزه، عبر طوفان من المقالات والمقابلات المفترية على الحزب، حتى بات الكذب على حزب البعث والافتراء عليه هو الممر الذي لا مفر منه لمن يريد الشهرة الإعلامية والوظيفة السياسية والتسهيل التجاري والرشوة المالية. وكان الهدف من ذلك هو صد قوى الأمة الحية، وخاصة من الشباب، عن التعرف على المعدن الأصيل للحزب، وعن التفكير في هذا الحزب الذي يخوض هذه المعركة الحضارية القاسية وحده، ويضحي في سبيلها بأعلى قياداته وأسمى رموزه، دون أن يتراجع منهم أحد عن مبادئه، أو يندم على مصيره، طالما أنه مطمئن إلى عدالة قضيته ومؤمن بواجب التضحية لنصرة أمته في وجه المعتدين الآثمين.
إنه لصحيح أن هذه الحلقات ليست بالعمق المطلوب و لا بالشمول الكافي لتثقيف القارئ عن حزب، هذه مفاخره التاريخية.. وإنما هي مجرد عناوين عامة على نشأة الحزب ومحطات من سفره النضالي الغني في مراحل تاريخية قومية غاية في الصعوبة والقسوة. فحزب البعث،نضال ومعاناة وليس ثقافة نظرية تجريدية. ولذلك، لا يمكن لغير البعثي المنغمر في بحر نضاله القاسي أن يتفهم ثقافة الحزب أو أن يصبر على صيغ عمله. فثقافة البعث هي خلاصات من عصارات المعاناة الحزبية ضد الظلم والظالمين في كل قطر من أقطار الأمة. فهي تحصيل دائم من مقاومة الواقع الفاسد وصبر لا ينتهي على المكاره لتغييره.
وهذا ما يشق على غير البعثيين أن يتحملوه أو يتصوروا حتى امكانيته. ولأن الناس، بطبعهم، ميالون إلى أمثلة عملية تثبت هذا القول في تميز البعثيين بالصبر، فإننا نعيد للأذهان ما آلت إليه الأمور في العراق، بعد الاحتلال. فمن ذا الذي يقدر على مواجهة عدوان عالمي شارك فيه جل الأقربين والأبعدين وينتصر على أقوى وأشرس دولة، مع حلفائها، ودون نصير على وجه الاطلاق، إلا رجال البعث المتسلحين بالإيمان والصبر وثقافة المعاناة..
لماذا البعث..؟(10)
دعونا نقولها بمنتهى الصراحة: إنه لما تكالبت قوى العدوان، على نطاق عالمي، ضد حزب البعث وتجربته الرائدة في العراق، دخل العالم، بكليته، في ظلام دامس وانتشرت بينه أفكار وحركات التطرف الديني، بدءا بعصابة المحافظين الجدد الذين حكموا الولايات المتحدة الأمريكية، بزعامة آل بوش الوحشيين، الذين وظفوا الامكانيات المهولة في هذه الدولة لتمزيق العالم وإخضاعه. بينما انتشرت حركات التطرف والغلو في العالم الاسلامي في سياق رد فعل أحرق العرب والمسلمين. لقد كانت أمريكا المحافظين الجدد هي مسعار ذلك الحريق الدولي عندما عملت على تجييش العالم لإطاحة تجربة ونظام حزب البعث العربي الاشتراكي، واغتالت العقل وحطمت فكر الحداثة الذي كان يشع على هذه المنطقة. فشجعت الجماعات التي تتخذ من الدين غطاء، بينما هي في الحقيقة تجتر الماضي بكل سلبياته وتستدعي من تاريخ المسلمين أسوأ ما فيه، من حيث تحتسب أنها تحسن صنعا. وكان للدعم المالي الهائل – فضلا عن كل التسهيلات الاعلامية والخدمية، التي قدمتها أقطار عربية متخمة بريع النفط – إلى تنظيمات ” الإيديولوجيا الاسلامية ” أكبر الأثر السلبي في محاربة الخطاب القومي العربي المتنور. فكان لذلك الاسناد المحموم من تلك الدول ومن الغرب،معا، دور كبير في الجاذبية المزيفة لتلك التنظيمات الهدامة لاستمالة آلاف من الشباب العربي. بل إن هذه القوى التي تشتكي وتتباكى، اليوم، من القوة التخريبية لتنظيمات الإيديولوجيا الاسلامية لم تكتف بتمويل هذه التنظيمات، وإنما انخرطت في حرب اقتصادية وإعلامية وسياسية ضد حزب البعث وعملت بجهود منسقة لإطاحة نظامه الوطني القومي في العراق، وشجعت بل ضغطت على الأنظمة العربية الأخرى على محاربته واجتثاثه بالتجويع والإقصاء والتهميش في الحياة العامة لصد الشباب عن التوجه إليه، و”لتنظيف” الطريق أمام تلك التنظيمات عبر المال المتدفق والمنح الدراسية والدورات التكوينية والتوظيف في المؤسسات والهيئات الخيرية، وسواه من صنوف الدعم والاسناد. فكانت النتيجة، من الحرب على حزب البعث، انتشار أخطبوط من الشبكات الظلامية المالكة لشبكات هائلة من الاستثمارات الاقتصادية والمالية والتجارية والخدمية والاعلامية التي مكنتها من اكتتاب أعداد كبيرة من شباب الأمة للانخراط في مساربها ودهاليزها المظلمة، بدافع المصلحة والنجاة من الحرمان والبطالة. وهكذا، ترتب على محاربة حزب البعث طغيان التنظيمات فاقدة البوصلة في الدين والدنيا، وتفشى فكرها الجامد في عدد غير محدود من الشباب العربي وانطفأ نور العقل بينهم، حتى باتت الأمة، في حاضرها ومستقبلها، رهينة بين أيدي شراذم حاملة للعنف الأعمى ضد كل شيء، وتتيه، على وجهها كالمخبولين، في صحراء قاحلة، لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت.. فكل ما خرجنا به من هذه الحرب ضد البعث وحزبه هو هذا التردي و مجموعات منفلتة من كل عقال لا تفقه من الاسلام، وما يهمها منه، هو مجرد ” دشاديش قصيرة ولحى طويلة ” في سيارات فارهة، أو مع قنابل حارقة باسم “الجهاد”. فتآمرنا على حزب حداثي عقلاني قومي وحدوي، واستبدلنا به زمرا ممعنة في خشونة السلوك وعنف الأفعال؛ خدمة، بوعي أو بغيره، تصب في مخططات المخابرات الغربية والصهيونية، التي تسعى لتشويه صورة الاسلام والمسلمين في عيون الشعوب الغربية، التي تتطلع إلى الصورة الناصعة لهذا الدين. لقد كانت تلك هي ثمرة الحنظل لفعل التآمر على حزب البعث وتجربته العقلانية الحداثية المتنورة في العراق. وكان أمر ما في هذه الثمرة (العلقم) هو أن سلمنا العراق للصفوية الفارسية التي تنفخ في نار الطائفية والمذهبية، بينما انقلب سحر تلك التنظيمات الظلامية على أولياء نعمتها، فكان ذلك هو الخسران المبين. والآن:
“تنبهوا واستفيقوا أيها العرب *** فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب”.
لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم من غيابه؟(11)
توصلنا في الحديث السابق إلى أن الجماعات الدينية المتطرفة كانت نتيجة لأسباب بعضها موضوعي، لعل من بينها ما يقاسيه العرب والمسلمون من ظلم بالغ ومستمر على أيدي القوى الغربية عموما، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تدخر جهدا، وهي الدولة القارة، في إضعاف العرب وتمزيق وحدتهم وتمكين كيان مسخ مركب من شتات الصهاينة وشذاذ الآفاق من اغتصاب أرضهم وتدنيس مقدساتهم، وأخيرا تسليم العراق، جمجمة العرب ومركز الخلافة العربية الاسلامية، لعصابة من عمائم السوء وينابيع الحقد التاريخي الفارسي (إيران ملالي ولاية الفقيه الصفوية الشيطانية) والتواطؤ مع هذه العفونات البشرية المخربة لبسط أذرعها الأخطبوطية في أكثر من قطر عربي لتمزيق وحدته الوطنية بالمذهبية والطائفية القذرة، سبيلا لتفتيت مكونات أمتنا وتحويلها إلى شراذم يقتل بعضها بعضا خدمة مشتركة للكيان الصهيوني والدولة الصفوية الإيرانية، التي تتباهى بالسيطرة على أربع عواصم عربية، وأن العراق والبحرين أجزاء من الإمبراطورية الفارسية الغابرة. هذا فضلا عن النهب المنظم لثروات أقطار أمتنا وفرض واقع تشويه هويتنا وسلخنا من تاريخنا وحضارتنا بالقوة والاحتلال. هذا هو العامل الأبرز. ولكن ثمة عوامل من بعض العرب، من أشباه الأميين ممن غمر الحقد قلوبهم، الذين عملوا، بكل الوسائل، على تقديم أنواع الدعم لأي فصيل يحمل راية الاسلام الإيديولوجي، حتى ولو كان ذلك من قبيل الكذب والتحايل على عواطف العوام من المسلمين، من باب نشر إيديولوجيا مناهضة للعقل والحداثة والنظرة القومية التاريخية القائمة على العوامل الثقافية والنظرة الانسانية، حيث وصلت أموال تلك الجهات العربية تحت كل يافطة وعنوان لتخريب عقول الشباب العربي وتعبئة صدورهم بالكراهية الشعوبية ضد العروبة والعرب، حتى وصل الأمر إلى اقتناع هؤلاء الشباب أنه لا يمكن الجمع بين الانتماء القومي والتدين بالإسلام في قلب واحد، بل لا بد من تحطيم العرب والعروبة لإعادة بناء الإسلام. وقد نال حزب البعث النصيب الأوفر من تلك الحملة الشعوبية والحرب الضروس على العروبة والمدافعين عنها، وخاصة ضد العراق الذي شهد تجربة قومية رائدة في ظل حزب البعث، الذي بنى مشروعا عربيا عقلانيا مؤمنا يعمل على الافادة من العقلانية والحداثة ويوصل رسالة الإسلام الحضاري خالية من الخرافة والعنف، التي تحملها المجاميع المتطرفة، إلى الشعوب الغربية. فتعرض البعث وحزبه لأعتى حملات التشويه والشيطنة والتلفيق عليه من جهات الدنيا الأربع..
وعندما بلغ الجهل قمته والحقد ذروته، تداعى السوء بجميع أوجهه على تجربة البعث في العراق، وكانت خسارة العالم أكبر مما يحتمل. فقد وجد نفسه، بكليته، في متن جهنم تقذف بحممها على أوسع نطاق وأقصى مكان. ولعل العرب، على الأقل، أدركوا أن الفراغ الذي أحدثه غياب حزب البعث عن السياسة الدولية لم يكن في مصالحهم، وأنه كان حماقة من حمقاء لا حظ لهم في معرفة التاريخ، وبات من مصلحة الجميع أن يعود البعث ليملأ الفراغ الذي لن يسده إلا البعثيون عاجلا أو آجلا، وتلك حقيقة موضوعية أثبتتها الوقائع والأحداث العالمية، وأكثر من ذلك الحريق الذي يقترب من غرف نوم جميع المجرمين…
لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه؟ (12)
تحدثنا،سابقا، عن أن غياب حزب البعث من السياسة الدولية لم يجلب إلا الدمار والخراب في منطقة الوطن العربي، والأخطر من ذلك أنه أفسح المجال وفتح الطريق أمام تيه عظيم في أوساط الشباب العربي، مما جر إلى تفشي مجاميع الإرهاب عابرة للحدود، وانجر عنه فشل أكثر من دولة عربية، كليا أو جزئيا. وما دام غياب حزب البعث عن السياسة الدولية، وخصوصا في الساحة العربية، قد ترتب عليه هذا الحجم الهائل من الكوارث على كل المنطقة، وبدت فيه الأمة العربية في وضع أشبه (بالجيفة) التي تجلب إليها كل الكواسر والضواري برائحتها الكريهة، فلماذا نغض الطرف عما لحق بنا ونظل نلهث خلف الولايات المتحدة الأمريكية التي تصر على تقسيم الأمة العربية تقسيما جديدا بالشراكة الصارخة مع إيران والروس. وها هي تدخل مرحلة تنفيذ هذا التقسيم، الذي طبخته طويلا على جحيم الطائفية المذهبية، بقرار عودتها العسكرية إلى العراق بحجة استعادة مدينة الموصل من ” الإرهاب” الذي خلقته، أمريكا نفسها، خلقا لتشويه صورة المقاومة الوطنية العراقية، ولتخلق الظروف المناسبة لتحالفها الدولي الذي يمكنها من تقسيم العراق وسوريا وصولا لتقسيم كل الدول العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية؛ بل إن كل الأقطار وكل النخب العربية التي تدس رؤوسها في التراب عن رؤية هذا الخطر الوجودي ستعيش واقع تقسيم بلدانها، واحدا بعد الآخر؛ ولن يسلم منها قطر واحد من التشطير مهما كان فقيرا أو صغيرا، بينما كانت نخبها تتظاهر، حصريا،من أجل خفض أسعار البنزين أو من أجل الحوار حول منافع السلطة، برغم أهمية هذه المطالب في سياق الحفاظ على وجود الكيانات الوطنية. إذن، نقول إنه مادام التآمر على البعث وحزبه لم يكن ينطوي على فائدة، بشهادة الوقائع، على أية جهة دولية في الوطن العربي، ولا على أية جهة حزبية أو تيارية مخاصمة إيديولوجيا لحزب البعث، مادام الأمر وصل إلى هذه النتيجة الكارثية على الجميع فلماذا التمادي في العزة بالإثم؟.. نحن نعرف أن قطاعا هاما من النخب العربية يعترف، صمتا، بخيبة أمله في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تآمر معها عسكريا واستخباريا وسياسيا وإعلاميا لإطاحة النظام الوطني في العراق، وكانت النتيجة أنهرا من دماء الشعوب وتمكين عصابة من العملاء والنهابين في دولة بحجم وأهمية العراق في العالم. إنه يجب تحويل هذا الاعتراف الصامت بالخطيئة إلى فعل وفعالية لدعم حزب البعث ومقاومته التاريخية مع القوى الوطنية في العراق، خصوصا وقد ثبت أنه (يرفد لحميه) فلا يستطيع مكابر أن يجادل في صلابة البعثيين وقوة رصيدهم المعنوي وتشبعهم بقيم الصمود والمقاومة الشريفة. فبرغم الإجماع، غير المسبوق في التاريخ، عليه من قوى الامبريالية العالمية والعملاء من الأنظمة العربية و من التيارات الاسلاموية والليبرالية، وبرغم طوفان التشويه الإعلامي لتجربته ورموزه والإقصاء والتهميش لأعضائه، لم يستسلم حزب البعث وظل يناضل بأرقى ما يكون النضال في ساحات كل الأقطار العربية، وظلت مقاومته التاريخية المسلحة في العراق تقاتل الغزاة حتى بالأسلحة الحجرية وبالأظافر إلى أن هربوا مدحورين، مذهولين من حجم الفعل المقاوم الذي فجره حزب البعث والقوى الوطنية تحت أقدامهم. أليس هذا هو الحزب الذي يستحق نزع القبعات احتراما لمناضليه، بخلاف باقي العناوين والأغلفة السياسية التي تهاوت كالطوب أمام أول اصطدام بالعدو الأجنبي أو أول إغراء بالسلطة والمال، حتى في ظل الاحتلال. إن حزب البعث العربي الاشتراكي يشكل تاجا على رؤوس كل العناوين، التي لم يعد في أيديها إلا الانضمام لميدان المنازلة في جنب حزب البعث أو الموت السياسي أو التسلل داخل طوابير قوى الاستعمار الجديد..
لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه؟؟ (13)
يوم أقدم الصهيوني المجرم، جورج بوش الحقير، على غزو العراق بالاشتراك مع بريطانيا وإيران و” إسرائيل” كان العالم يغرق، بشكل غير مسبوق، في أقصى درجات الارتعاب من الولايات المتحدة الأمريكية ومن آلتها العسكرية الرهيبة. وعملا على تقديم الولاء للبرابرة الجدد والبراء من قواعد القانون الدولي وقيم الانسانية، تسابقت حكومات العالم ومؤسساته الدولية والأحزاب السياسية والصحافة والإعلاميون، عبر كوكبنا، في شتم الرئيس القائد صدام حسين وسب حزب البعث وشيطنته على النحو الذي يرضي الفرعون الجديد للعالم. وما تزال ذاكرة الناس طرية بتلك الطريقة المقرفة التي ظهر بها بوش ليلة العدوان على الشعب الذي علم البشرية أبجديات الحضارة.. لقد أعطى لشعوب العالم سوءة مؤخرته وهو يلعب مع كلبه، في حدائق البيت الأسود الأمريكي، في إشارة منه أنه زعيم عصابة أشرار وليس رئيس دولة. فهذا الحقير – تحت فرط الشعور بجنون القوة العسكرية لبلاده – كان لسان حاله يقول للعالم : فجر غد يدخل العالم عصر البربرية الأمريكية الخالصة. وبرغم تلك الغطرسة التي تقشعر منها الأبدان، لم يجرؤ زعيم دولة في العالم أن يقول لبوش [لا] إلا القائد صدام حسين وإلا أبطال البعث في كل أقطار الأمة، الذين لم يفزعوا ولم يستكينوا؛ فبقوا وحدهم يخوضون ملحمة الانسانية في وجه الوحشية الأمريكية. وهكذا خاض البعث وحزبه غمار الجهاد نيابة عن البشرية وقدم من التضحيات عشرات الالاف و من الدماء أنهرا، وهو ما يلبق به كحزب انساني حامل لرسالة القيم الخالدة. فكان بحق أهلا لملحمة الشرف صونا لمصير الانسانية من الوقوع في أحط حقبه التاريخية. ومنذ نجحت البربرية الأمريكية في احتلال العراق، لم تسكن سفينة العالم، ولم تتمكن جهة فيه من اطفاء الحرائق التي أشعلها الأمريكيون المتصهينون في مشارق الأرض ومغاربها. ولكنه بفعل مقاومة البعث والقوى الوطنية والقومية انهزمت أمريكا، وبدأت بعض الجهات الدولية ترفع صوتها فوق صوت أوباما، وهي التي كانت تبلع لسانها وتشرق من ريقها أمام بوش، 2003. واليوم، تجتاز البشرية بخطى متسارعة نحو حرب دولية، هي الأخطر في التاريخ ؛ إذا لم تتدارك أمريكا خطأها وخطيئاتها باحتلال العراق بوضع حد للعملية السياسية العبثية الاجرامية التي أقامتها ورعتها في هذا البلد، وإذا لم ترفع يدها عن حفنة العملاء واللصوص الذين يحكمون العراق باسم دجال إيران. لقد خسر العالم استقراره ودفع أثمانا هائلة بسبب جريمة الاحتلال، ولن يعود الاستقرار إلا بابتلاع أمريكا ومن تعاون معها لحقيقة مرة، وهي أن البعث ممر اضطرار لإعادة الاستقرار إلى الأوضاع العالمية، وخاصة في منطقة الوطن العربي، منطقة الطاقة الدولية ومخزوناتها الاستراتيجية. فالبعث هو مفتاح الحلول لأنه برهن، خلال هذه المحن، أنه يختزن طاقة كامنة ضخمة، فكرية وإعلامية، وتكنولوجية، وسياسية، وعسكرية. إذ أن حزب البعث، بجهاده الملحمي الأسطوري، لم يكن يعبر عن تنظيم سياسي تقليدي، كما اعتقد الأمريكيون، وإنما عبر أصدق تعبير عن أكثر من ثلاثمائة مليون عربي، وعن تاريخ مجيد تفاعل مع الحضارات الانسانية، انجزت فيه الأمة العربية أشرق الصفحات الحضارية..
لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه..؟(14)
هي.. هذه الدنيا تشهد بتدهور أحوال العالم بعد ما جرى احتلال العراق وتم تدميره على أيدي أشد المجرمين فتكا ووحشية.. فهذه الدنيا تغلي بالحروب والأزمات ونزوح الشعوب ودماء الأطفال ودموع النساء المتفجرة، أنهارا وبحارا، على كافة خريطة العالم. فهل كانت عصابة الضباع الأمريكية التي تسببت في هذا الجحيم العالمي على دراية أن احتلالها للعراق سيقود إلى مثل هذه الأوضاع العالمية؟..إن أغلب الظن أن الأمريكيين، لافتقارهم للحضارة وجهلهم بالتاريخ، لم يكونوا يتصورون أن احتلال هذا البلد، الذي نشأت فيه وانطلقت منه أولى المنجزات البشرية، سيؤدي إلى هذه الحرائق التي خرجت عن سيطرة الجميع. أما بالنسبة للعرب، فإن غياب البعث عن واجهة المشهد القومي في تعاطيه مع الأحداث الدولية، قاد إلى تفكك أغلب الأقطار ؛ وهو يهدد باقي أقطار الأمة، جراء غياب البعث ودولته في العراق، اللذين كانا يشكلان حماية قومية حصينة لتلك الأقطار في الخليج من التمدد الصفوي المجاور، وشكلا سترا واقيا للأقطار الأخرى، حتى في موريتانيا، في أقصى نقطة في المغرب العربي. والأحداث في 1989، أكبر شاهد على حماية دولة البعث في العراق لموريتانيا من المؤامرة الفرنسية الكبرى، يومئذ. أما اليوم، فهذه سوريا – الأسد، التي اشتركت في جميع المؤامرات الدولية والاقليمية، سرا وعلانية، ضد البعث ودولته في العراق، ها هي تتقاذفها الحروب الطائفية والقوى الدولية، وتلك جمهورية مصر العربية، التي اختطفتها لوبيات أمريكا، تتعاطاها مجاميع الإرهاب، من يد ليد، ومن غيبوبة استراتيجية لغيبوبة أخرى. وتلك ليبيا استبيحت وحطم شعبها وأعيد إلى شراذم قبلية تخوض صراعات دموية لا تبقي ولا تذر، بكل العناوين العبثية. أما الأردن فيعيش بين فكي رحى الكيان الصهيوني وإيران الفارسية، التي تتحكم، بعملائها وميلشياتها في العراق، دون سند ولا نصير. وسلطنة عمان خرجت عن المركب العربي، طلبا للنجاة. وهذا السودان، شأنه شأن اليمن السعيد، يلعق جراح التفكك المتواصل وحروب الاستنزاف البينية. أما الصومال فقد نسيها العالم في غياهب الدمار. وفيما يدفع الشعب العربي الثمن الثقيل والباهظ لغياب البعث ودولته في المشرق العربي، وفي مصر وليبيا والقرن الافريقي، فإن بقية دول المغرب العربي تواجه ذات الأخطار، منذ 2003. فشعوب هذه الأقطار يتهددها التبعثر الاثني والفئوي، وتتجذر فيها أمزجة التنافر ويعلو فيها منطق التدابر بفعل غياب الخطاب القومي العقلاني، الوحدوي والمتنور، الذي تميز به حزب البعث، فكان حزب الجميع وحزب الدولة الوطنية القائمة على أسس المواطنة والتفاعل والارتقاء على الانتماءات الفئوية والقبلية والمناطقية والمذهبية، التي تحولت إلى بلوى لا علاج لها، بعد تآمر الجميع على البعث مع أمريكا وعملائها. أما أقطار الخليج العربي، في الآن تقف مكشوفة، من جهاتها الأربع، في وجه عاصفة التفريس القسري لشعوبها، مدعومة، في ذلك، من ” الحليف الاستراتيجي الأمريكي” الذي لطالما تغزلنا به. فهذه الدول فرضت عليها الحرب من إيران، في الزمان والمكان، اللذين لا يتمناه قادة تلك الدول. والاعلام الأمريكي بل حتى المسؤولون، بكل وقاحة، يحملون المملكة العربية السعودية المسؤولية في اضطراب الأوضاع في الخليج العربي، فيما يعيد للذاكرة وقوف الغرب مع إيران في حربها على العراق، في ثمانينيات القرن الماضي، وتحميل الرئيس الشهيد صدام حسين المسؤولية في افتعال الحرب معها برغم وضوح المبتدئ بالحرب. فما أشبه الليلة بالبارحة. وبالتأكيد أن نخب الخليج العربي الآن تستحضر تلك الحقبة التي كان جيش القادسية الثانية يدفع فيها جحافل الفرس، مهزومة، على أدبارها. لا نستذكر ذلك من باب التشفي بأشقائنا، معاذ الله؛ بل لإعادة أجزاء الصورة المبعثرة بقسوة المشهد في أذهان كثيرين، ولنرتب عليها شيئا بدهيا أصلا، وهو أن الوقائع الدولية ومشاهد الآلام التي تحل بنا تؤكد أن الوحدة القومية، بغض النظر عن درجتها وصيغتها، بين أقطار الأمة هي الوسيلة الأوحد، لها، للنجاة من خطط الاندثار والافناء التي تحيكها أغلب القوى الدولية ضدها، وأن البعث مفتاح القبة. فهل من مدكر؟..
لماذا البعث.. وما خسر العالم بغيابه..؟(15)
في الحلقات الماضية بينا، تحت هذا العنوان، حجم الخسارة العظيمة والمصائب الجمة والأحزان المتلاطمة، التي حلت بالعالم، منذ احتلال العراق واجتماع كلمة أعداء الأمة وأعداء الانسانية على الشهيد صدام حسين، مسنودين بالعملاء والخونة من عرب الجنسية وأدعياء الاسلام. أجل.. اجتمعت كلمة هؤلاء جميعا لتغييب حزب البعث العربي الاشتراكي من مشهد السياسة الدولية، طلبا وسعيا حثيثا لاغتيال أحلى الأحلام وأعرض الآمال في نفوس جماهير الأمة بالوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية (الاشتراكية) المؤمنة الانسانية. ورأينا، كيف أن هذا الجمع الشرير قد اتفق على ما سماه (اجتثاث البعث) فكرا وبشرا وتأثيرا، وقتلا للأفراد وتنكيلا بالعوائل. ولم يدخر الأعداء جهدا أو أسلوبا خسيسا ومنافيا لكل ما تعارفت عليه الانسانية من قيم مشتركة في سبيل تحقيق هدف الاجتثاث الدنيء، حتى إن أول عمل قامت به جرافات جيش الاحتلال الأمريكي، في بغداد، هو كنس قبر القائد المؤسس لحزب البعث، الرفيق المرحوم أحمد ميشل عفلق، طيب الله ثراه. ولم يحصل اجماع دولي بمثل هذه الخسة كما حصل، بقيادة أمريكا قائدة الحضارة والقيم الغربية، على حزب البعث وقيمه ومناضليه. فحتى الحزب الألماني النازي الذي فجر الحرب العالمية الثانية وتسبب في هلاك ملايين البشر ودمر أوروبا وغيرها، حتى هذا الحزب، لم يتعرض لما تعرض له حزب البعث، الذي واجه عدوانا أمريكيا وبريطانيا وإيرانيا وصهيونيا،مخططا ومنسقا، في بلده، وعارضته الأمم المتحدة و شعوب البشرية بما فيها الشعب الأمريكي والبريطاني، اللين نحييهما، عبورا، على ذلك الرفض التاريخي، الذي سيشكل شهادة ووصمة عار في جبين بلير وبوش الحقير، في أمل أن يحاكما، يوما، على ما اقترفاه ضد الانسانية في مهد الحضارة والتاريخ. وهذا ما يفسر أن الحرب على العراق وغزوه لم تكن موجهة ضد حزب البعث، كتنظيم سياسي من الأفراد، بقدر ما هي موجهة ضد الأحلام والآمال التي حملها هذا الحزب وعمل من أجلها ووضع أسلوب الوصول إليها وشخص العوائق دونها لإخراج العرب من وهدة الذلة والتبعية إلى سعة الحرية وفسحة الحضارة، ليساهم العرب في رقي الانسانية، كما فعلوا أول مرة، قبل نومهم الحضاري، الذي يريد الأعداء تأبيده وتعزيز أسبابه. والآن، وقد أدرك العدو، ومن لحق به من العملاء والخونة من العرب والمتاجرين بشعرات الاسلام، أن البعث رقم صعب – وأنه أمل يسكن كل حر وحرة من أبناء الأمة البالغين أكثر من ثلاثمائة مليون مواطن عربي، ما بين كيرمسين وجبال زاغروس – وان البعث “جين” يتخلق من رحم كل حرة من حرائر الأمة، نقول فقد آن الأوان لمن ضعفوا واستكانوا خلال هذه المسيرة الشاقة، من البعثيين وسواهم، أن يغتسلوا من عار التولي يوم الزحف، وأن يتطهروا بماء النخوة المتدفق من معين المناضلين القابضين على المبادئ، دون وهن ولا استكانة، في طليعتهم الرفيق القائد عزت الدوري الأمين العام للحزب وأبطال البعث في كل قطر من أقطار الأمة ومن كل المذاهب والأعراق. فتحية اجلال لهم جميعا، والخزي لمن ينهش في أعراضهم وهم يذودون عن المبادئ والعزة والشرف…
تنبيه: بعد حظر صفحة الحزب على فيس بوك من قبل اداراة فيس بوك صارت صفحة الحزب على الرابط التالي بنفس الاسم لذلك وجب التنبيه
لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه؟(16)
لما كان غياب البعث، عن مشهد السياسة الدولية، قد أدى إلى هذا الضياع، وهذه الحرائق التي تزداد اشتعالا، ولما كان غيابه عن التأثير في ضبط وحماية السياسة العربية قد أنتج ما كان البعث نفسه قد حذر منه منذ أمد بعيد: وهو أن حكام العرب إذا ما تورطوا في دعم مشروع الامبريالية الأمريكية، بإطاحة نظام حزب البعث في العراق، فإن إعصارا هائلا من الفوضى سيقتلعهم من كراسيهم. وهذا ما كان. فلماذا يتواصل التآمر على البعث ومقاومته، ولماذا يصر من تبقى من حكام العرب – الذين تهتز كراسيهم – على مسايرة أمريكا وإيران في مخططهما في العراق؟. فلمصلحة من هذه الحرب الإبادية التي تشنها أمريكا وإيران والميليشيات الصفوية الإيرانية على الفلوجة؟.. ولماذا نكذب أعيننا والوقائع الحية أمامنا، ونصدق إعلام أمريكا وإيران أن هذه الحرب موجهة ضد هذه الكذبة الكبيرة، التي تسمى ” داعش”. وكيف يستسيغ عاقل أن قناتا العربية والعربية- الحدث تغطيان إبادة العراقيين في كل مدينة من مدنهم بنشوة المنتصر وشهوة الفارسي الحاقد؟. فلمن تعود ملكية هاتان القناتان؟. وفي سياق هذا الوضع الذي وضعتنا فيه أنظمة فاسدة، ربطت مصيرها بالأجنبي وقلب لها ظهر المجن نهيب بالبعثيين خصوصا والقوميين والتقدميين عموما، الذين ترجلوا من مسيرة النضال في الوطن العربي، وبخاصة في موريتانيا، فنفول لهم إن الأحداث التي تمر بها الأمة العربية، في الجملة، وعلى مستوى كل قطر من أقطارها، هي أحداث أكبر وأخطر من أن يواجهها حزب بذاته أو حركة، أحرى أن يواجهها رجال انكفأوا في بيوتهم، حسرة على الماضي، وفضلوا العيش على سرد وقائع التاريخ، أو بالدخول في واجهات ليبرالية او هجينة، أقصى طموحها الحصول على تمثيل برلماني في انتخابات بتمويل أجنبي، وغالبا ما تكون مثيرة للجدل ومشكوك في نزاهتها. فما قيمة ذلك، إذا كانت أمتنا تواجه حرب إبادة وإفناء، متمثل فيما تقوم به القوى المعادية حضاريا، في تحالف، غير مسبوق، بين الشرق والغرب. وما قيمة ذلك، أيها الوطنيون من كل العناوين، وما قيمة هذه العناوين الحزبية إذا كان أصحابها قد استقالوا من النضال في وجه هذا التمدد الحضاري الرهيب. خصوصا أن بعض هذه الأطراف تتحدث صراحة عن تجاوز شعارات الوحدة العربية. فهل نرى فيما لو تمزقت موريتانيا، لا قدر الله في ظل هذا التخاذل، إلى كيانات مصطنعة من قوى دولية، من بيننا من يعتبر الدعوة لإعادة توحيد البلاد عملا متجاوزا ومجرد شعارات ليس في الامكان تحقيقها، وبالتالي يتوجب العمل فيما هو موجود من كيانات يقرها الأقوياء بحقنا، مثلما تعتبر الوحدة العربية، اليوم، شعارا وحلم يقظة، لم يعد مطروحا، لأن أمريكا وحلفاءها لا يقبلون بها ويعدونها من وحي الخيال. عودوا إلى أنفسكم أيها البعثيون والوطنيون المستقيلون من المعاناة والنضال، وأدركوا وضعية أمتكم التي تتطلع إلى من ينقذها من براثن التحالف الغربي- الفارسي. إن المال وما يتيحه من راحة بال لن يكون مجديا في ظل الاحتلال وسلب الكرامة، وإن الذي يبقى هو المعاني الخالدة التي ترتبط بالدفاع عن الأوطان ومناصرة القضايا العادلة، وهو ما يتنافى مع ثقافة الذل والخنوع. خصوصا أنكم لم تستفيدوا ماديا أو رمزيا من أي من هذه الأنظمة، عقابا لكم على ما أمضيتم من تاريخ نضالي مشرف. فقد بقيتم على هوامشها وحواف واجهاتها، بلا تأثير و لا فائدة حتى لأشخاصكم. عودوا إلى نقطة البداية، فهذه بلدكم تتشرذم بسبب استقالتكم من النضال ومحاكاتكم للسياسويين. فلا بد أيها الرفاق من العودة إلى نقطة البداية وإعادة وحدة النضال، ولو من منصات مختلفة أو بدعم مسؤول للمناضلين القابضين على الجمر في منازلة تاريخية وحضارية غير متكافئة بالمقاييس المادية، في طريقكم لاستئناف واجبكم الوطني والقومي والانساني، أي عودتكم لحزب البعث..
لماذا البعث.. وماذا خسر العالم بغيابه؟ (17)
نعم.. لا يعرف الرجال إلا في الظروف الصعبة ؛ إذ أن ظروف الرخاء و الأمن يستأسد الجميع، و يتميز الجميع و لذلك فقد قالت العرب في مثلها الخالد: لولا المشقة لساد الأراذل، أو ساد الناس جميعا.و عندما دارت معركة بدر بين النبي صلى الله عليه و سلم و سادة قريش من أبطالها أولي البأس، في غياب نفر من رجال المسلمين.أبدى هؤلاء المتخلفون عن بدر أسفهم على غيابهم عن معركة بدر، خصوصا بعدما تحقق من نصر عظيم للنبي (ص) و المسلمين برغم الاختلال العظيم في ميزان القوة المادية،بين الفريقين لصالح المشركين.عندها، جاء القرآن يبين لأولئك النفر، الذين لم يشاركوا في بدر، أن معركة أخرى تدور في أحد، وهذه مناسبة ليؤكدوا صدق حسرتهم على غيابهم عن بدر.
<ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون>.
ونحن نقول للذين استبسلوا في الاستعراض في معارك الثمانينات و التسعينيات مع الغرب، في ظل النظام الوطني يومئذ في العراق، هاهم أبطال البعث يخوضون معارك الشرف تترى، منذ ذلك التاريخ وإلى الآن، في مختلف ساحات المنازلة مع هذه الامبريالية الأمريكية و الإمبراطورية الفارسية، عسكريا وإعلاميا وثقافيا ومعنويا.. فأين دوركم وموقفكم من هذه الملامح السجال..إن الذين تغنوا بالشهيد صدام حسين في حياته، ثم استقالوا من مشروع الشهيد صدام حسين بعد موته، لهم أكثر الناس حاجة إلى تأكيد إخلاصهم لذلك التاريخ، تجنبا للوقوع تحت طائلة النفاق، الذي ما نفع عبد الله بن أبي.فالولاء للمشاريع والأفكار و ليس للرجال. فهؤلاء ميتون، ولكن الأفكار والمشاريع لا تموت.
وعندما تحالفت الأحزاب من المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، اتضح الإيمان الصحيح وظهر النفاق الصريح. فقال المنافقون بوضوح <غر هؤلاء دينهم> وقالوا <ليخرجن الأعز منها الأذل>. فالذين يطفون كالزبد في ظروف الرخاء والأمن والأمان، سرعان ما يذوبون كالزبد أيضا حين يوضع الأيمان أمام امتحان الظروف القاسية.فمثل هؤلاء لا ينهض أحدا حالهم ولا يدل على الله مقالهم، لأنهم ولو تخفوا بها، يبقون أبدا في حالة حرب مع ضمائرهم
لماذا البعث.. وماذا خسر العالم بغيابه..؟(18)
محاولة الانقلاب التي دارت، في الأسبوع الماضي في تركيا، هي بالفعل محاولة فاشلة وناجحة، معا. فهي فاشلة لجهة أنها لم تقض على نظام حزب العدالة والتنمية، هذه المرة، تلك الطبعة الطورانية من جماعة التنظيم الدولي للإخوان “المسلمين “. فقد تمكن أوردوغان وأركان حكمه من النجاة من هذا الانقلاب، الذي أحكمت خيوطه، فيما يبدو خارج تركيا، وتهاوى الجنرالات كالطوب المبلل في أيدي” رجال الشرطة”. حتى هذه اللحظة من زمن التقييم، من الممكن القول إن الانقلاب فشل. ولكن انفاذ النظر، تحت قشرة الأحداث بعد امتصاص شحنة الانفعال بها، يبين أن الانقلاب نجح بأقصى درجات الخطورة، وعلى أكثر من صعيد. ذلك، أن تمكن هذا العدد الهائل من كبار الضباط والأوسمة في المؤسسة العسكرية والأمنية التركية، وفي سواها من المؤسسات القضائية والاعلامية والأكاديمية والنقابية والتعليمية والاقتصادية… نقول تمكن هذا العدد من الانخراط في العملية الانقلابية، دون أن تتسرب معلومات عنه، فهذا أمر مريع ودليل على نجاح الانقلاب على صعيد التعبئة والتحكم في مستويات التخطيط المختلفة. فإشراك هذا الحجم من كوادر الدولة، في الانقلاب، آية على تبرم النخب من الحكم الإخواني. وإذا صح أن الولايات المتحدة الأمريكية ونظام الملالي في إيران كانا ضالعين في هذه العملية، فهذا هو أخطر ما انطوى عليه هذا الانقلاب؛ وهو عندما يكون هذا العدد المهول من النخب، في جميع التخصصات والمؤسسات، قد تورط في عملية انقلابية لمجرد الاستجابة لقوى دولية وإقليمية ؛ أي عندما تكون هذه النخب مجرد أدوات تنفيذية لأجندة غير وطنية، دون مبالاة لما قد ينجر عنها من تداعيات ذات صبغة استراتيجية خطيرة للغاية على مستقبل تركيا، وعلى استقرار أوضاعها. و لقد نجح هذا الانقلاب، من جهة أخرى، عندما أوضح، لمن أعماهم الحقد والخيانة من العرب والمسلمين، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تقومان سويا، وبشراكة استراتيجية، بأقذر المؤامرات ضد شعوب هذه المنطقة، وأن لعبة الشراكة بينهما في احتلال العراق واسقاط نظامه الوطني، هي ذاتها اللعبة التي تكشفت خيوطها من مشاركتهما في انقلاب 15 يوليو في تركيا. ولقد نجح هذا الانقلاب في تكثيف دائرة الضوء على خطورة هذا التحالف الأمريكي – الإيراني بالنسبة لدول الخليج العربي. فإذا كانت تركيا، و هي حليف استراتيجي لأمريكا، وعضو في حلف شمال الأطلسي، وهي ثاني أكبر جيش في هذا الحلف من حيث العدة والعدد، فضلا عن ذلك تتمتع بنظام حكم منتخب بالديمقراطية الليبرالية الغربية، وتحتل مرتبة متقدمة على سلم الدول المتطورة اقتصاديا وتنمويا؛ إذا كان كل ذلك لم يشفع لتركيا لدى دوائر الغدر في أمريكا، فما ذا يكون عليه الحال بالنسبة لدول الخليج العربي، التي تعبث بأمنها الاجتماعي إيران، منذ اسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي. ولقد نجح هذا الانقلاب، في تركيا، أخيرا وليس آخرا، في فضح الأسطوانات البشرية المشروخة التي تتحدث عن الديمقراطية بوصفها درعا واقيا لحماية الأنظمة السياسية من عبث أمريكا وحلفائها. فهذه تركيا الديمقراطية تتعرض لانقلاب تنهض كل الأدلة أن أمريكا تقف خلفه. لقد حان الوقت، منذ 2003، لأن يدرك من تبقى من الأنظمة العربية والإسلامية مثل تركيا و باكستان، تحديدا، أن أمريكا وإيران عاقدتان العزم على تفتيت المنطقة العربية والدول الاسلامية، بالشراكة الاستراتيجية بينهما، ودفعها إلى لجة العم والفوضى، وكل ذلك لم يكن ليتم بهذه السهولة والغطرسة لولا المؤامرة على حزب البعث وتغييبه من مشهد السياسة العالمية، حتى بات العملاء في العراق يعربدون ويتطاولون على أنظمة المنطقة. فإما أن تغير أنظمة هذه الدول استراتيجيتها جذريا، في مثل هذه الظروف، بما يتناسب مع هذا الخطر الماحق، على الأبواب، وإما أن يتدرب حكامها على الرحيل المهين، تاركين شعوبهم، من خلفهم، تحترق بأيدي الأمريكيين والإيرانيين والصهاينة. فاليمين المتصهين في أمريكا وأولياء الدجال “الفقيه” في إيران لا يتركون الغدر بالصديق قبل العدو حتى ينتصب الفيل مستقيما على رأسه.