العدد 67 (شهر أكتوبر ) من مجلة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي – قطر موريتانيا
المخدرات.. الخطر الماحق !!
كانت الأوبئة ، بمختلف مسمياتها، قبل قرن من الآن، هي أعظم خطر على الموريتانيين عموما و الأطفال، منهم، بوجه خاص. ففي تلك الحقبة من تاريخ شعبنا فإنه قلما ينجو طفل من الموت المحقق جراء وباء من الأوبئة ضرب كنفا من أكناف البلاد. فقد تموت أجيال كاملة من الأطفال، ما بين صفر سنة و أربع عشرة سنة، في طول البلاد و عرضها ، بسبب أحد هذه الأوبئة أو بها مجتمعة… و قد يدخر الوباء لكل أسرة طفلا من سبعة إخوة أو تسعة ! و ظل الأمر على هذه الحالة من الإبادة الجماعية للأوبئة الطبيعية حتى مجيء الاستعمار الفرنسي ، الذي حمل معه علاجات لتلك الأوبئة، لم تكن معروفة للموريتانيين المقطوعين يومئذ من العالم. طبعا، لم يكن الموقف الإنساني هو ما دعا الفرنسيين لعلاج أوبئة الحصباء و السعال الديكي و الإسهالات عند الموريتانيين… و إنما كان سعيا لتحصين أفراد و أطقم إدارة المستعمر و ضباطه و المجندين من المليشيات الإفرقية التي جلبها معه من السينغال و من دول إفرقية أخرى مجاورة… و المجندين المحليين ( كّوميات و المترجمين و جباة المكوس و الضرائب من الموريتانيين) المتعاونين معه الذين تضطرهم ظروف العمل للاختلاط بالسكان . و مهما كانت خلفية المستعمرين الفرنسيين، فإنهم قد أنقذوا حياة آلاف الأطفال من تلك الأوبئة و الجوائح، قبل “استقلال” البلاد. و إذا كانت تلك الأوبئة من الخطورة بحيث أبادت أجيالا بحالها على مر عقود، فإن أوبئة جديدة قد استجدت ، و لا تقل خطرا عن أوبئة القرون الماضية، إن لم تكن أخطر منها و أشد تعقيدا و أصعب علاجا. فالأوبئة القديمة حد من خطرها لأقصى حد، بعد فضل الله، التقدم العلمي و تطور الطب. و لكن الأوبئة الجديدة تتحدى العلم و الطب معا… و تتحدى أجهزة الرقابة و الضبط . إنه وباء المخدرات الذي يحيق بالعالم كله، المتقدم منه و المتخلف. و هو باء أكثر فتكا و أقسى تحملا. إنه يفتك اليوم بأجيال كاملة من أطفالنا بصورة خفية عن كثير منا؛ حيث ينتشر في شكل منوعات من أقراص الحلوى، و لفائف السجائر … و المشروبات، و الحشيش و المارخوانا و الهرويين و الكوكايين … و بعض الغراء و حبوب الهلوسة و التنويم و الارتخاء المؤقت … و قد شهدت السنوات الماضية انتشار ظاهرة المخدرات في بلدنا بصورة مذهلة.و تحدث المهتمون بأن المخدرات، برغم انعدام إحصائيات رسمية، تنتشر بين تلاميذ المدارس الابتدائية و الإعداديات و الثانويات من التعليم العمومي و التعليم الخصوصي… كما تنتشر في ملاعب الأطفال الذين يحصلون على هذه المواد الفتاكة من حوانيت السقط و من باعة أرصدة الهواتف النقالة و من باعة متجولين آخرين… و في بعض الصيدليات و عند بعض باعة الفحم… و لدى أصحاب أنشطة اقتصادية أخرى، في شكل حلوى و أقراص و مشروبات و سجائر…
و قد عرفت السنوات الأخيرة صنوفا من جرائم القتل و الاغتصاب و السطو على المنازل و المحلات نهارا جهارا و ضرب المارة بالشارع… و سواها من الجرائم التي يرتكبها أصحابها و هم في حالة هلوسة تامة و غياب عن الإدراك. الأمر الذي جعل المنظمات المختصة تربط انتشار الجرائم ، كما و كيفا، في موريتانيا بانتشار أنواع المخدرات بين الأطفال و المراهقين..و إذا كان خطر الأوبئة المرضية يقضي على الحياة البيولوجية لأجيال على أجيال من الأطفال، و قد تقضي على أطفال أسرة جميعا، فإن المخدرات تعد أوبئة أكبر خطرا. فقد يقضي خطرها على جميع أطفال الشعب الموريتاني بإتلاف أعصابهم و تخريب عقولهم … و تحويلهم إلى مجاميع من المنحرفين و الشذاذ و القتلة و المغتصبين و المهلوسين الذين سينتهون بتدمير المجتمع بقتل ذويهم و اغتصاب محارمهم … ثم بتدمير بعضهم بعضا بالاقتتال فيما ببنهم، طلبا لعالم النشوة و السعادة الوهمية التي خلقتها فيهم مواد المخدرات…
إن السلطات، في العادة، تدس أنفها في التبن و الرمل عن كل خطر عمومي داهم… فتلتزم الصمت عن أي خطر مجتمعي و تترك المصير الجماعي بيد الصدف تفعل به ما تشاء، بينما يجب أخذ المبادرة، على نطاق وطني و ملح للغاية، من أئمة المساجد و أطقم التعليم، العام و الخاص، و روابط آباء التلاميذ و الأطباء و الإعلام بشقيه و المدونين … و صفحات التواصل الاجتماعي كلها … و قيادات الأحزاب و التيارات و إدارات الملاعب و المدربين… على الجميع الانخراط في حملة تحسيس و توعية ، كل في مجاله، و في التجمعات الشعبية، بكل الأحياء في كل المدن و التجمعات السكانية، و بكل لغاتنا الوطنية على هذا الخطر الماحق… و حتى يدرك جميع خطورة الوضعية الكارثية التي تتهدد مصير أطفالنا و مصير بلدنا نتيجة انفجار ظاهرة المخدرات بينهم، بكل أصنافها و ألوانها … و نكهاتها…
موسم الأمطار.. و الناس !!
الحديث عن موسم الأمطار في كل سنة ربما أصبح موضوعا مملا للقراء ؛ فكثيرا ما تناولت الدرب العربي هذا الموضوع أكثر من مرة منذ صدورها في 2014 … فأعادته ثم أعادته في كل موسم خريف بغية رفع آلام و معاناة الناس إلى السلطات في جميع أنحاء القطر ؛ و خاصة في العاصمة نواكشوط التي غالبا ما تتحول مدينة منكوبة مع أول قطرة مطر. فالحالة الوحيدة التي تنجو فيها العاصمة و مدن أخرى داخل البلد من مستنقعات و برك مياه الأمطار هي حالة السنة التي تحتبس فيها السماء. فموسم الأمطار في نواكشوط خاصة و بقية المدن عامة مناسبة للمعاناة سواء تعلق الأمر بالمآسي التي تنشأ جراء غرق الأحياء و الشوارع لمدة طويلة بالبرك الملوثة بأكوام الأوساخ المتناثرة و مكبات القمامات في مواقع السباخ و تجمع المياه… أو تعلق الأمر بتكاثر و انتشار البعوض و الحشرات الضارة التي تنتج عن أمطار الخريف في مدن ملوثة أصلا بالنفايات و العوادم و الأقذار… و ما تتسب فيه هذه الوضعية من تفشي الحميات مثل الملاريا و الضنك و حمى القرم و الوادي المتصدع … و الحمى النزيفية… و أنواع الحساسيات التنفسية و الجلدية…
أجل.. إنها وضعية تتجدد كل سنة برغم رفع معاناة المواطنين كل مرة إلى السلطات ، بينما لا تتجدد أساليب المعالجات الحكومية لمثل تلك المآسي ، رغم تجدد واجهات الأنظمة الحاكمة. فالأنظمة تتبدل في شخوصها لكن سلوكها و نهجها يبقيان ثابتين ، نظاما عن نظام !
فمثلا، عايشت الدرب العربي نظامين سياسيين غير أنها لم تشهد تغييرا في أسلوب التعامل مع موسم الأمطار : دائما غياب السيترتيجية و استمرار انعدام نظام الصرف الصحي و بقاء المستنقعات و البرك لأسابيع و أحيانا لأشهر و تفشي البعوض و انتشار الحميات… و الاقتصار في مواجهة هذه الوضعيات بالمعالجات البدائية و الظرفية. إن المواطنين ، و الحالة هذه، يواجهون بالاستمرار المعاناة سواء تلك التي تنتج عن ضعف معدل الأمطار و رداءة الموسم و ما يستتبع ذلك من عطش للأنفس و للمواشي بفعل نضوب الآبار الأهلية و ارتفاع نسبة الملوحة في الآبار المعمقة و شح المراعي مما يدفع إلى الاضطرار للهجرة، جنوبا ، بالمواشي نحو الدول المجاورة؛ و ما يستدعيه ذلك من خطر على مواشيهم و على أنفسهم في أوطان بعيدة عن مواطنهم في وطنهم. و إما مواجهة معاناة أخرى ناتجة عن جودة موسم الأمطار حيث تغرق منازلهم في المستنقعات الآسنة و أحيانا تتحطم مساكنهم من الطين تحت قوة التهاطل… و تنهار المدارس ، بعضها، و بعضها يحاصره المياه من الجهات الأربع… بينما تجرف السيول واحاتهم و مزارعهم … هذا فضلا عن الانتشار، الذي لا يحتمل، للبعوض بحيث يجبر المواطنون على النزوح لأشهر عن مازلهم في ضواحي المدن و التجمعات الكبرى… فيما تغص المستشفيات و نقاط الصحة بالمرضى بمختلف أنواع الحميات و الحساسيات و الأوبئة المرتبطة بهذا الموسم، كلما تحسنت معدلات تساقطاته. إن هذه المعاناة الموسمية الدائمة يضطر الموريتانيون للتكيف معها و لتحمل ويلاتها بينما يشهدون على ثروات بلدهم تستولي عليها ثلة متسلطة تعبث بها و بحياتهم داخل القطر و خارجه…
الحملة الزراعية .. مبدأ قيم.. و متابعة سيئة.
أشرف رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على انطلاقة الحملة الزراعية لموسم 2022 في منطقة لكراير بولاية الحوض الغربي تزامنا مع بداية التساقطات المطرية.
تلك الانطلاقة التي تلقاها المزارعون التقليديون والمجتمع عموما بصدى رحب؛ مؤملين فيها خلاصهم من مجاعة تخيم على المشهد الوطني جراء الاعتماد على المنتج الزراعي المستورد؛ الذي تعذر استيراده بسبب الحرب الأوكرانية الروسية.
غير أن هذه الحملة لم تتم متابعتها بالشكل الذي يضمن تحقيق الطموح الوطني منها؛ حيث ما إن غادر رئيس الجمهورية مكان الانطلاقة حتى التفت عناصر التخريب حول الآلات التي استجلبت ليستغلها المزارعون في حادثة حيرت الرأي العام دون أن يجد أي تفسير من الجهات المعنية لتوضيح ملابساتها .
وفضلا عن هذه الحادثة، وما تعكسه من مؤشرات الإهمال وغياب المتابعة، لم تعتمد الدولة خطة واضحة بموجبها تفضي الحملة الزراعية إلى نتائج مهمة كتكليف الهندسة العسكرية بالإشراف على الزراعة وتسخير جهود الجيش للعمل فيها مقابل فوائد تحد من مشاكل الجنود وتوفر كميات إنتاج زراعي قادرة على ضمان الاكتفاء الذاتي من الحبوب وهو ما لم يتحقق للأسف!
إن أية حملة زراعية لن تكون مفيدة، في ظل التشرذم والصراع القبليين اللذين يشهدهما المجتمع، مالم تكن هناك متابعة أو إشراف مباشر من جهة سلطة رسمية ترغم الكل على الانسجام خدمة للوئام الوطني وسبيلا إلى توطيد حياة تنموية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. ولا أدل على ذلك من واقعة أم آفنادش التي ترجمت بصدق غياب الدولة عن متابعة المشاريع الزراعية ؛ مما فسح المجال أمام المجتمع القبلي ليتناحر على المواقع الزراعية؛ ليس من أجل الظفر بها لاستغلالها وتوفير المنتج الزراعي منها ، وإنما للاستئثار بهاحتى لا يستفيد منها أي أحد آخر…
موسم خريف ممتاز.. و لكن ؟
الظروف المناخية، هذه السنة، كانت ممتازة و في صالح المواطنين الموريتانيين، الذين عانوا و يعانون على مستوى تردي الخدمات العمومية و غياب الدولة في مواجهة آثار تهاطل كميات غزيرة من الأمطار تسببت في نكبة مناطق كثيرة من البلاد، و خاصة العاصمة نواكشوط، دون أن يكترث بها أحد. فما تزال أحياء كاملة ، بمدارسها و غيرها من المرافق، في العاصمة غارقة في البرك ” الخضراء” الآسنة منذ أشهر. غير أنه ، بصرف النظر هذه الآثار، فإن الأمطار التي تهاطلت بمعدلات مريحة، و الحمد لله، و اتساعها لتشمل كامل جغرافية البلاد ، أو كادت، أعادت للموريتانيين إمكانية الأمل في تجنب شبح مجاعة كانت تلوح في الأفق على عموم البلد. لقد إلتقط المواطنون أنفاسهم عقب موسم أمطار غير مسبوق منذ أكثر من خمسة عقود، في شمال موريتانيا و وسطها؛ الأمر الذي فرض على الحكومة أن تخرج من بياتها ” المزمن” و تعلن انطلاق الحملة الزراعية المطرية التي يتعلق بها أكثر من ثلثي سكان البلاد. و هو أمر موفق إذا حظي بالاهتمام و المتابعة و التقويم. لقد سالت كل الأودية و فاضت بالمياه كل ” لكّراير” الزراعية… و امتلأت السدود الأهلية و الحديثة لأقصى طاقتها و تغطت مساحة القطر بالمراعي و شتى أنواع و نوعيات الأعشاب الجيدة … حتى أصبح البلد من شماله لجنوبه ، و من غربه لشرقه بساطا أخضر متصلا، في أجمل صورة و أبهى منظر للطبيعة الغناء في أوسع نطاق !
إن هذا الواقع من شأنه أن يقلل من خطر تزاحم قطعان الماشية المعهود في تخوم المزارع ، الذي غالبا ما يتحول إلى تهديد جدي للمزارع و إلى نزاعات حادة أحيانا بين ملاك الحيوانات و ملاك المزارع… بسبب أكل تلك المواشي للمزارع و المحاصيل و انتقام المزارعين منها بقتل بعضها أو باستخدام بعضها، في التزريب على الحقول، استخداما مميتا. هذه التعقيدات التي كانت ظروف الجفاف و ندرة المراعي و المياه تؤدي إليها ستكون هذه السنة في أدنى مستوى لها، مما يوفر راحة بال للجميع و يبشر بإمكانية محاصيل زراعية ممتازة ، إذا فدر الله لهذه الحكومة أن تتابع الحملة الزراعية المطرية و تتدخل في الوقت المناسب لتلافي خطر آفات تقليدية أخرى مثل الطيور آكلة الحبوب و القوارض التي تتلف البطيخ و الفاصوليا؛ و التي غالبا ما تتجاوز مقاومتها طاقة أصحاب المزارع؛ فتأكل و تتلف محاصيلهم؛ و تكبدهم خسائر فادحة. فهل تأخذ الحكومة ، هذه المرة، الأمر بالجدية المناسبة ، أم أنها ستكتفي بالإعلان عن انطلاق الحملة الزراعية… ثم يعود الجميع للنوم و عدم الاكتراث، مفرطين بهذا الموسم المطري المتميز، و تاركين كل شيء للصدف ؛ فتضيع جهود و أموال و وسائل … و تتبخر من بين أيدي شعبنا فرص عظيمة لتوفير غذائه من أرضه، بين يدي أزمة غذائية عالمية تلوح نذرها … و قد تقود لمجاعة حقيقية في الدول التي لم تكن أنظمتها بالمستوى المطلوب في قراءة التطورات الدولية…
يبقى من جهة أخرى أن نذكر بأننا في الدرب العربي كنا دعونا الحكومات إلى اغتنام فرص المواسم المطرية الجيدة ببناء خزانات استيراتيجية ، فضلا عن السدود، لحفظ و معالجة كميات هائلة من مياه الأمطار التي تضيع منا كل سنة ؛ و التي في الإمكان توظيفها في ري واحات النخيل بفصل الحر و في المحميات الرعوية و استنبات أعشاب العلف… في المناطق الملائمة ؛ بل قد توظف في استعادة الغطاء النباتي ضمن جهود مكافحة التصحر و زحف الرمال…
فقدان الأمل في حوانيت أمل.
إن من أهم شروط النجاح في الحياة عموما هو تحديد الهدف والقدرة على الملاءمة بينه والوسيلة.لتكون على هذا الأساس إدارة دفة الحكم من أصعب الدروب و أكثرها شعابا.فإذا كانت السلطة تخطط في بلد كموريتانيا للتنمية الإجتماعية فإنه بلاشك سيكون رفاه هذا الشعب غاية لها! كيف سيتحقق ذلك والآلية المتبعة في توفير الغذاء للفقراء من المواطنين هي حوانيت “أمل”!
فبسبب داعيات الحرب في أوكرانيا تتزايد معاناة الناس عموما والفقراء منهم على وجه الخصوص، لأن ازمة عذاء عالمية
تلقي بظلالها..
وقد أخذت معظم حكومات العالم التى تستورد الغذاء حزمة من التدابير غير مسبوقة في نظمها الإقتصادية،للحد من الآثار المباشرة والتوقعات لتداعيات هذه الحرب_ في المديين القريب والمتوسط_على الطبقات المتوسطة والضعيفة. هذه التي دأبنا على تسميتها (بالهشة).
حيث يعاني أغلب الفقراء المحظوظين بولوج حوانيت”
أمل” من معاناة الفقر وطول الانتظار . مما ولد خيبة امل في الحصول على قوتهم من هذه الخدعة!فثمة شروط وظروف لابد من توفرها للحصول على كمية لاتسمن ولا تغني من جوع يوم واحد(كغ من الأرز،ولتر زبت ،وكغ سكر)وأول هذه الشروط :هو الخروج من البيت في الهزيع الأخير من الليل لحجز مكان في الطابور رغم مايترتب على ذلك من مخاطر على الأعراض والأموال.وثانيها: فهو الصبر على تأخر فتح المحلات أمام المؤملين فيهم عيشة مقبولة،وثالثها: انتظار تجهيز المواد التموينية وتوزيعها على حصص. ورابعها:الحصول على رقم تقييد قد لا ينادى على صاحبه إلابعد خلو المحل من كل المواد نتيجة للزبونية المستشرية في مخيخ الجهاز الإداري.وخامسها : القدرة البدنية على تحمل حر الشمس لأن الوقت المختار للتوزيع هو الساعة الحادية عشر صباحا.فمن أسعفته ظروف الحال فقد يحصل على حصة مطففة الكيل،وإن لم تسعفه فضياع الوقت هو زاده على الجوع.!
ودون إسهاب في تحديد وظيفتها تجري كل هذه الوقائع في ظرف دولي معقد يقابله محليا تخبط في تسيير المال العام،وتصاعد مذهل لأسعار المحروقات تخلله فوضى عارمة في تذاكر وخطوط النقل العمومي.مما انعكس جليا على أسعار المواد الغذائية الأساسية. والأدهى من ذلك هو منع التظاهر السلمي احتجاجا على الوضع الكارثي الذي تتدهور أمامه ثقة المواطن يومابعد يوم في أداء سلطة الحال.
مايهم الفقراء.
النوعية الوزن السعر
أرز أجنبي كغ 950
ارز محلي 400
زيت ل 1000
سكر كغ 400
حليب سليا 1500
حليب (روز) 300
حليب(قلوريا) 200
ألبان الوطنية 300
مكرونه أطلس 400
مكرونه مدينة 500
بصل 400
بطاطا. 400
طماطم 400
جزر 400
دجاج 1200
لحم غنم 3000
لحم إبل 3000
سمك (جوف) 2000
سمك (كربين) 2000
سمك (صباطه) 2000
سمك (خصو) 1600
لحم عجل 3000
صابون صغير 100
ظاهرة المواسم “الثقافية” المحلية!!
لا يستطيع كائن من كان أن يشكك في القول إن موريتانيا قد انقطعت عن الثقافة و استغنت عن المثقفين متذ عقود خلت… و أنها البلد الذي يحتقر فيه المثقف و ما له صلة بالثقافة و بالتعليم ، الذي يفضي ، في العادة، إلى الثقافة و يخلق المثقفين. فهذه الدولة ، على مر اثنتين و ستين سنة، لا توجد بها دور للمسرح و لا منتديات للأدب و لا مقاهي للشعر و لا معاهد للفنون و لا الموسيقى … و لا توجد بها مجلات و لا دوريات علمية … و لا تأليف و لا مؤلفون… و لا دور للنشر و لا للطباعة بأدنى المعايير الدولية، كما لا توجد فيها أعمدة ثقافية و لا أدبية و لا فنية في جرائدها و لا في المواقع الألكترونية على كثرتها. كل ما هنالك هو التفاهة و تشجيع التفاهة و التافهين. و على هذه الأرضية، أرضية التصحر العلمي و القحط الثقافي، انفجرت منذ سنوات، ضمن نهج التتفيه و التمييع المتبع كنهج سياسي و أسلوب حياة عامة ،ظاهرة ” المواسم الثقافية المحلية” ذات الطابع القبلي و النفس الشرائحي و اللوني … و هي أنشطة بهلوانية قائمة على المحاكاة و الاستنساخ بعضها من بعض دون أن يكون لها أي وجه ثقافي رصين، اللهم ما كان من تلك الاستعراضات لبعض الألعاب التقليدية و عروض لبعض الحبوب و المحاصيل المحلية… لتنقلب هذه البهلوانيات في نهاية الأمر إلى منصات يتنافس فيها و عليها بارونات القبلية و كبار ناهبي المال العام … فيتم استنزاف الخواص و أموال القطاعات الحكومية بموجب تنظيمها… التي تنتهي في جيوب الفاسدين و أدواتهم المحلية.
و مؤخرا، باتت هذه التظاهرات العبثية مناسبات، ليس فقط للترفيه عن الباذخين بأموال الشعب الذين ينظمونها سياحة عبثية باسم الثقافة- و هي أبعد ما تكون عن الثقافة و متعلقاتها – و إنما أيضا للترويج لأبناء المفسدين.ففي الآونة الأخيرة ، أخذت هذه التظاهرات طابعا جديدا عندما تحولت بازارا و منصة للإشادة بشباب ليس في رصيدهم ، بالمطلق، إلا انتماؤهم لبعض النافذين في النظام الحالي. يتحدث المتابعون لهذه المهازل أن الشخصيات النافذة باتت تتبع نهج تحضير أبنائهم لخلافتهم، من بعدهم، في مواقع النفوذ عشية تقاعدهم و خروجهم ،بالعمر ، من بؤرة قوة السلطة : فالجنيرال يخلفه ابنه جنيرالا، و الوزير يخلفه ابنه وزيرا، و الوالي يخلفه ابنه واليا… و كذلك النائب البرلماني و الحاكم…
و هكذا تخطو البلاد بخطى واسعة و واثقة نحو التحلل ، إذا استمرت الأمور بهذه العبثية بانغلاق السلطة و النفوذ على هذا النحو … و تواصل المشهد العام بتصدر التافهين، الذين يحتكرون كل شيء : السلطة، الثروة، النفوذ … و يعتقدون، بهكذا عقلية، إمكانية استمرار هذا الارتهان للدولة و للمجتمع… تورثهما سلالة لسلالة…
الهوية العربية بين تيارات الأممية و الأنظمة القطرية و نخبها !!
يعتبر كثيرون ، من الموريتانيين ، أن الحديث عن الهوية العربية للدولة الموريتانية يحمل في ثناياه رفضا لوجود مكونات قومية و خصوصيات ثقافية غير عربية في موريتانيا، أو ما يسمونه تداولا بالآخر. و مع أن القوميين العرب المؤسسون و من بعدهم المفكرون من التيار القومي، البعثي و الناصري، الموريتانيون ، و في الأقطار العربية الأخرى، لم يقصروا في أطروحاتهم الفكرية و مطارحاتهم السياسية في توضيح مفهوم القومية العربية و نشروا الاتجاه الإنساني و التقدمي للنظرية القومية العربية التي تتضمن الاعتراف بأن الأمة العربية ليست سلالة عربية خالصة؛ و إنما هي خليط بشري من الأعراق و الثقافات المختلفة و المتعددة التي تكونت معا و تفاعلت فيما بينها فأنتجت أمة العرب بثقافتها و هويتها الجامعة و ثقافاتها و هوياتها الفرعية المتعددة داخل هذه الثقافة الحاضنة و الحافظة لمكوناتها. إلا أن هذا الجهد الفكري من المؤسسين و التنويرات السياسية من المفكرين ظلا محاصرين و ممنوعين من الوصول ، بنقائهما، إلى نطاق واسع من أبناء المكونات غير العربية في الأمة خشية أن يصل الوعي الصحيح لنخبة تلك المكونات التي عاشت مع العرب و تفاعلت معهم لعشرات القرون ؛ بل آلاف السنين. فكونوا، معا، هوية جامعة و ثقافة وسعت الجميع ؛ شكل الإسلام فيها أوثق عروة و أسمى رابطة تآخى داخلها العرب و من دخل دين الإسلام من الشعوب الأخرى على الجغرافيا العربية. و اتضح أن هذا الحصار للقومية العربية الإنسانية و منعها من الوصول بسلامة إلى الأقليات غير العربية و تشويه منطلقاتها النظرية، عن قصد، بين أبناء هذه المكونات غير العربية إنما كان من فعل جهات توحدت، برغم تناقضها الفكري و مراميها السياسية، على تشويه الخطاب القومي و التخويف من الهوية العربية الجامعة ؛ فمنعت حصول الوعي السليم و الموقف الصحيح من هذه المكونات للقومية العربية إزاء إخوانهم في التاريخ و الحضارة… و الدين.إن هذه القوى المتناقضة في كل شيء ،ما عدى معاداة العروبة، هي الأنظمة القطرية و نخبها المنتفعة من ريعها التي تجد في الطرح القومي الوحدوي المنظّر لوحدة العرب في كيان سياسي واحد خطرا حقيقيا على مصالحها المناقضة لمصلحة الشعب العربي في كل قطر من أقطار الأمة.و القوى الثانية هي تيار الإسلام السياسي الذي تأسس بالنقيض من النظرية القومية العربية على بناء دولة دينية أممية بلا حدود. و القوى الثالثة هي التيار الماركسي الشيوعي الذي قام، هو الآخر، على منطلق أممي ، شأنه شأن التيار الديني السياسي، يشتغل على تقويض الوعي القومي و خلق وعي بديل عنه يسعى لدولة عمالية عالمية توجد حدودها حيثما وجدت طبقة عمالية في العالم. هذا فضلا عن التيار الليبرالي المرتبط بالنزعة التوسعية الأمركية المعولمة . و من هنا، نلاحظ أن هذه التيارات المتصادمة في منطلقاتها الفكرية و في أهدافها السياسية ، فإنها تتحالف على مقاومة الوعي القومي العربي و تسعى لشل الخطاب القومي العربي الإنساني المنبني عليه ؛ إذ أن هذه التيارات تعمل بالضد من توحيد العرب في حدود وطنهم العربي بخلاف التيار القومي العربي الذي يناضل في سبيل هذا الهدف و لرفع الالتباس الذي تفرضه القوى الاديولوجية الخصيمة للقوميين العرب على مفهوم الهوية العربية و وصف هذه الهوية بالشوفينية و العنصرية و الساعية لتذويب هويات غير العرب و احتواء خصوصياتهم الثقافية و الحضارية داخل الهوية العربية الجامعة؛ بهدف خلق و إدامة بيئة طاردة للعرب داخل تلك المكونات… و بهدف طمس أي أثر إيجابي للمطارحات الفكرية و الضمانات السياسية التي ما فتئ القوميون العرب يؤكدون عليها حول احترام و حفظ و صيانة كل الثقافات و الخصوصيات القومية للمكونات غير العربية… و التأكيد على كل ما يخدم كل الثقافات الفرعية و ينميها جنبا إلى جنب مع الثقافة و الهوية العربية الجامعة، على نحو ما هو موجود في باقي الدول و الشعوب ذات الثقافات و المكونات المختلفة.
إن تحالف القوى الأممية الدينية و الماركسية و نخب الليبرالية الأمريكية و الأنظمة القطرية و نخبها، في الوطن العربي، لم يتمكن من تقديم نموذج ثقافي مطمئن للثقافات الفرعية يكون بديلا عن الخطاب القومي العربي، بل إن خطر ذوبان الثقافات الفرعية بدا أكبر في الدول الأممية لاتساع نطاقها …و في الكيانات القطرية لضعفها عن حماية أي شيء في عالم يتشكل بالكتل العظمى. إن التيارات الأممية بما في ذلك التيار الليبرالي المرتبط بالنزعة الامبراطورية الأمريكية تنتهي، في نهاية مشروعها السياسي، بالدكتاتورية الكونية و بالحكم بنهاية التاريخ عندما تتحق لأحدها الغلبة، و هذا ما يناقض النظرية القومية العربية التي تؤمن بالتعدد و بحق الاختلاف … و بالتاريخ المفتوح أمام أبناء الإنسانية دون تمييز عنصري أو ديني…
و نستنتج مما سبق أن الهوية العربية المشبعة بالإنسانية و بهدي رسالة الإسلام الخالدة هي التي حطت أسسها النظرية على أرضية واقعية صلبة ،وسطا، بين التشتت و الضعف اللذين تتصف بهما الكيانات القطرية و سواها من الكيانات ما قبل الدولة مثل القبيلة و الشريحة و الإثنية ذات الأنساق البدائية ، و بين الدولة الأممية الدينية غير الواقعية التي تستند على تعاليم مقدسة تختلف باختلاف الأديان من جهة ، و الطوائف و المذاهب داخل كل دين من جهة أخرى … و الدولة الأممية الشيوعية التي أرست على طبقة العمال المتغيرة باستمرار تبعا للمعطيات الاقتصادية و الاجتماعية… بخلاف العامل القومي الذي نمى و تطور بالتراكم و التفاعل بين مختلف الأعراق و الثقافات و انصهر في مصهر حضاري واحد…