بيـــــــان

مكتب المغرب العربي للتنسيق القومي

تدارس مكتب المغرب العربي للتنسيق القومي جملة من الأحداث والتطورات القومية والعالمية، ولاحظ أن تداخل مسارح الصراع الدولي وتعقيد وقائع المشهد وتسارع الأحداث وتهاطل المعلومات عبر مختلف القنوات ووسائط التواصل الاجتماعي تسبب في تشتت الأفكار وتشويش ذهني و ارباك في استيعاب خفايا الأحداث ومخاطرها خاصة في ظل غياب مؤسسة القيادة القومية كمرجعية فكرية وسياسية كل ذلك رتب اختلافات – إلى حد التناقض- في مواقف المتتبعين عموما والبعثيين بصفة خاصة ، وهو أمر غير سوي يستوجب الانتباه إليه و معالجته قبل استفحاله.

إن موقف البعث و تقويماته للأحداث لا يمكن أن تكون نتيجة لانفعالات وعواطف آنية أو ردود أفعال ظرفية وميزاجية، ولا سبقا إعلاميا على مقياس ” التدوين الشخصي” بل تبنى هذه المواقف وتصاغ بشكل متأن، مدروس ومنهجي يعتمد على فكر الحزب ومبادئه وضمن أطره التنظيمبة.

وفي هذا السياق فإن مكتب المغرب العربي للتنسيق القومي، وسعيا منه لاستعادة عناصر المناعة التنظيمية والفكرية ووحدة الموقف، وحماية المناضلين من التميع و التشوش والارباك بفعل تدفق المعلومات المغلوطة والمشوهة خاصة من خلال وسائل الاختراق الافتراضي ، فإنه تدارس تسارع الأحداث القومية والإقليمية ذات صلة وتأثير مباشر على الأمة ورأى أنه من الضروري إبداء الموقف الواضح والمبدئي منها.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي لا يفاضل في القيمة المبدئية بين الأرض العربية، ولا بين الدماء العربية، و لا يفاضل بين مصادر الخطر التي تهدد الأمة وأقطارها ، كما أنه لا يقيم الفعل المقاوم للاحتلال بمقياس الربح والخسارة الماديين ، ويعتبر مصدر التهديد الأساسي والوجودي للأمة يمثله المشروع الصهيوني المحمي والمدعوم من الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ، والمشروع الفارسي الصفوي الطائفي الذي يقوده نظام الملالي في إيران المغلف برداء الدين والذي يجري تنفيذه بالاعتماد على أذرعه في المنطقة بداية من سلطة المليشيات الطائفية في العراق وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وخلايا نظام آل الأسد في سوريا… وبالتالي فمن واجب حزب البعث العربي الاشتراكي رفض دعم أي من هذين المحورين التوسعيين على حساب المشروع القومي العربي الناجز بغض النظر عن حالة الضعف الظرفي للعرب في هذه الحقبة من التاريخ حتى في حالة الصراع والتصادم بينهما.

تشهد الساحة القومية والإقليمية الكثير من الأحداث والتطورات الساخنة التي تستوجب تحليلها وإبداء المواقف المبدئية منها: 

● في موضوع فلسطين القضية المركزية للأمة.

إن معركة طوفان الأقصى الدائرة منذ أكتوبر 2023، وبرغم ما نتج عنها من إبادة شعبية باستخدام أحدث الأسلحة وأكثرها فتكا ودمارا وسلاح التجويع الجماعي ، والدمار الكامل لقطاع غزة لتكتمل بذلك عناصر أفضع جريمة ضد الانسانية على مر التاريخ، إلا أنه ورغم كل ذلك فإن هذه الملحمة أعادت  القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث العالمية بعدما كادت أمريكا أن تصفيها نهائيا بتعميم التطبيع القسري مع الكيان الصهيوني.

كما أن معركة طوفان الأقصى كشفت الوجه الوحشي للكيان الصهيوني الوظيفي المصطنع والهزيل ومستوى التصدع والضعف الذي يتخلله لولا الدعم الأمريكي الواسع واللامشروط الذي هيأ له الغطاء المادي والسياسي والعسكري.. لارتكاب جرائمه البشعة.

إن هذه الملحمة فتحت عيون شعوب العالم خاصة الغربية حول فضاعة وهمجية هذا الكيان وتفجرت فيها صحوة الضمير الإنساني ،كما رسخت قناعة لدى الشعب العربي أن التعايش مع هذا الكيان كذبة كبرى وبذلك فضحت أنظمة التطبيع التي بررت تطبيعها معه على أنه  لإقامة سلام شامل وأمن دائم في صالح فلسطين .

إن مكتب المغرب الغربي للتنسبق القومي يعتبر “حل الدولتين” الذي تلوح به بعض الدول الأوروبية في هذه الظرفية، هو من جهة حيلة من هذه الحكومات لامتصاص غضب شعوبها على دورها في مساندة الكيان الصهيوني في إبادة الشعب الفلسطيني ، ومن جهة ثانية هو مجرد خديعة دولية لإنقاذ مستقبل الكيان الصهيوني وإلباس وجوده في فلسطين بلباس الشرعية الدولية بعد ما انكشف أنه كيان احتلالي غاصب واصطناعي وظيفي ووحشي وأن هذا الحل (حل الدولتين) هو استسلام و تكريس للكيان في جوهره وشرعنة لاغتصابه واحتلاله للأرض، ففلسطين ملك للشعب الفلسطيني وللعرب وأن معركة تحريرها واستعادتها مستمرة حتى النصر .

ويؤكد المكتب أن حزب البعث يقف مع أي فعل مقاوم للاحتلال مهما كان العنوان أوالفصيل الذي يتصدره شريطة أن لا يرتبط بأجندات خارجية تهدف إلى تمزيق صف المقاومة أو وحدة الشعب الفلسطيني  .

ويدعو الشعب العربي إلى الخروج من هول الصدمة من وحشية ما تقوم به الإدارات الأمريكية وكيانها الصهيوني من فظائع في غزة، واستعادة المبادرة النضالية و الزخم الشعبي للوقوف مع أشقائهم في فلسطين المحتلة.

● في موضوع الوضع في ليبيا و السودان.

  فإن المكتب يعتبر الأطراف المتقاتلة في كل من ليبيا والسودان إنما يخدمون أهداف القوى الاستعمارية العالمية ووكلائها من الأنظمة العربية الوظيفية التخريبية في القطرين لأن الخاسر الأول والأخير في مثل هذه الصراعات هو الوطن شعبا وأرضا وتاريخا ، ويجب التنبيه إلى أن أي حل في هذين القطرين يكمن أولا في استبعاد استخدام السلاح وعدم اللجوء إليه تحت أي ظرف كوسيلة من وسائل الحل وأن الحل لن يكون إلا عبر الحوار .

وثانيا يجب استبعاد كل أشكال التدخل الأجنبي مهما كان مصدره ، وثالثا يجب أن يشمل الحوار كل القوى الوطنية السياسية والفكرية دون أي إقصاء (باستثناء التي ترفع السلاح أو المرتبطة بأجندات خارجية ).

● في موضوع الصراع الأمريكي- الصهيوني- الإيراني.

إن محور هذا “الصراع ” هو السيطرة على أكبر حصة من الوطن العربي الممزق الآن بفعل المشروعين معا ،وبالتالي يجب التصدي لهما معا ،كما يتوجب العمل النضالي لرفع مستوى الوعي الجماهيري بحقيقة جوهر هذا الصراع بين المشروعين خاصة بإبراز مواطن ومواقع التآمر الإيراني باعتباره يمثل المشروع الفارسي المغلف بغلاف الدين المبني على العقيدة الطائفية والولاء لهذا النظام الذي تقوده سلطة ” الولي الفقيه” الطائفية.

● وفي موضوع العراق

يرى المكتب بأن تغول المشروعين الصهيوني والفارسي في هذه المرحلة وتراجع مستوى التصدي لهما على مستوى ساحات الوطن العربي إنما كان بسبب احتلال العراق وإسقاط دولته الوطنية بقيادة البعث ومشروعه الوحدوي التحرري، فما كانت الأوضاع تصل إلى هذا المستوى المتردي لولا سقوط القلعة والحصن المنيع للأمة المتمثل في العراق الذي تسيطر عليه اليوم الميليشيات المسلحة والأحزاب الطائفية المتخلفة المرتبطة بنظام الملالي في إيران.

● في موضوع القطر السوري،

فإن المكتب إذ يتمسك بموقفه المبدئي المتمثل في  مشاركته للشعب السوري  في أفراحه بالتخلص من جحيم نظام عائلة أسد ، التي سامته  صنوف العذاب و التنكيل  و مارست باسمه جميع المنكرات القومية و الموبقات الإنسانية ، إلا أن المكتب يعبر عن إدانته لمآلات التغيير خاصة في  تنكر الحكام الجدد للقوى الوطنية و القومية و التقدمية- التي سبقت إلى النضال و  معاني التضحية العظيمة منذ استيلاء عائلة أسد على السلطة في سوريا-  العروبة، كما يدين المكتب و يرفض التوجهات الانحرافية الإجرامية المتمثلة في التقرب المتنامي للسلطة الجديدة  من المشروع الأمريكي- الصهيوني؛ و كأن الشعب السوري العظيم  حكم عليه القدر  بالارتهان لأحد المشروعين: الصفوي الفارسي في ظل نظام أسد،  أو الأمريكي- الصهيوني تحت حكم الملتحين!

إن مكتب المغرب العربي للتنسيق القومي  يأبى أن يستسلم  الشعب السوري، صاحب التاريخ الحافل بعظيم التضحيات في سبيل الحرية و ريادة أمته،  للخضوع لكلا المشروعين، و يهيب بهذا الشعب و  بجميع قواه الطلائعية التاريخية إلى استعادة زمام المبادرة و الوقوف في وجه المشروع الاستعماري الأمريكي- الصهيوني ، مثلما و قفوا شامخين بالضد من المشروع الملالي الطائفي الفارسي؛ فكما لم يكن خيرا في التحالف، في ظل نظام عائلة أسد، مع النظام الملالي، فلم و لن يكن خيرا في الارتماء  في أحضان الأمريكيين و الصهاينة.

● وفي موضوع المواجهة بين الحكومة اللبنانية و حزب الله،

يعتبر المكتب أن أي سلاح يُحمل ضد الكيان الصهيوني الغاصب هو سلاح شريف ما لم يرتبط بأهداف و أجندة أجنبية أخرى  تشكل  بهذا السلاح  خطرا و تهديدا لاستقرار لبنان وأمنه و عامل تفتيت للوحدة الوطنية.

 و الواقع أن حالة لبنان ليست استثناء على هذه القاعدة.  إن حزب الله  يجب أن يعود حزبا سياسيا كسائر الأحزاب، و ليس مليشيا عسكرية تنازع الدولة و مؤسساتها العسكرية و الأمنية في مسؤولياتها الدستورية.  إنه  حزب محكوم بدستور و قوانين الدولة الوطنية اللبنانية وأنظمتها و ليس للقوانين الإيرانية  و إديولوجية نظامها؛ الأمر الذي جعل حمل الحزب، منذ تأسيسه 1982،  لترسانة سلاح موازية لسلاح الدولة اللبانية  يشكل “دولة موازية”، حتى وصل  الأمر به إلى تهديد الحكومة والتلويح بمواجهتها عسكريا في أكثر من مناسبة.

مع ذلك،  فإن الوضع في لبنان ، خاصة في هذه الظروف، يجب أن يعالج باعتماد الحكمة والمرونة وبعيدا عن  الإملاءات الأمريكية  و شروط الكيان الصهيوني واعوانهم في المنطقة .

ان  قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية  بجب أن يكون  بهدف حماية وحدة الشعب اللبناني و نتيجة لتراكمات السنين ، ؛ غير أن معالجتها يجب أن تتم  طبقا  لقرار لبناني سيادي صرف  نابع من حوار وطني هادئ وبناء يفضي، من جهة،  إلى حصر السلاح بيد الجيش الوطني اللبناني دون غيره  بما أنه الجهة المكلفة دستوريا بحماية لبنان من كل أشكال التهديد والتدخل الخارجي  خاصة الكيان الصهيوني وحلفائه، و من جهة ثانية يقود إلى دمج الدولة اللبنانية لكل من يستجيب من هذه المليشيا  دون قيد أو شرط لهذا القرار في المؤسسة العسكرية و الأمنية بشرط أن يفك ارتباطه بالدولة الإيرانية و يقطع مع  مشروعها الطائفي التوسعي.

● في موضوع الحوثيين.

إن الأزمة في اليمن تفاقمت وتعقدت بسبب تدخل حكومات المشيخات العربية الخليجية غير الموفق وغير السوي الذي لجأت فيه إلى استخدام القوة والسلاح الأمريكي لتدمير اليمن وتقتيل شعبه من خلال عاصفة الحزم التي عقدت الوضع أكثر دون أن تحقق أهدافها المعلنة رغم أنها كانت لها خيارات أخرى لانقاذ اليمن من النفوذ الإيراني خاصة في مجال الاستثمارات.

لكن ومع ذلك فإن استقواء الحوثيين بإيران وتماديهم في توسيع دائرة الصراع مرفوض تماما فهم مدعوون  إلى العودة لعمقهم العربي والافتكاك من الارتهان  للأجندة التخريبية لنظام الملالي في إيران ضد العرب.

● في موضوع تنامي الظاهرة الإنعزالية في أقطار المغرب العربي.

إن ارتفاع منسوب ومستوى خطاب الكراهية والحقد ورفض الآخر في أوساط المجتمع خاصة في إطار الحملة التي تشنها أطراف تحركها أيادي مشبوهة ضد العنصر العربي في أقطار المغرب العربي تحت عنوان ” صحوة الأمزغة”  يعد بمثابة تجسيد لأجندة استعمارية فرنسية-صهيونية، قديمة متجددة لكنه من الواجب التأكيد على أن التصعيد الآن في منسوب الكراهية ضد العرب يأتي انعكاسا للانهيار الحاصل للقوى الوحدوية داخل الأمة العربية و لرداءة حكامها و الشلل الحاصل على مستوى القوى الوطنية والقومية في الوطن الوطن العربي، وأن من واجب حزب البعث العربي الاشتراكي أن يتحرك من خلال مؤسساته و مناضليه في أقطار المغرب العربي لتشجيع الحوار و مد جسور  التواصل الثقافي والحضاري و الأخوي مع القوى المجتمعية الأمازيغية غير المرتبطة بالقوى الأجنبية وأهدافها التفتيتية والحيلولة دون توسع نطاق الحاضنة الاجتماعية للمشروع التفتيتي ومنع تنامي سلوك الكراهية بين العرب والأمازيغ وتنمية كل ما له صلة بالمشتركات الحضارية والتاريخية والثقافية والدينية بين هذين المكونين الأخويين المتعايشيين بأمن و أمان و احترام على مر العصور والحقب.

● في موضوع طوفان الهجرة غير القانونية على أقطار المغرب العربي.

إن تدفق المهاجرين غير النظاميين بهذا الكم الهائل وغير المألوف على أقطار المغرب العربي يمثل خطرا وجوديا وشيكا يهدد بتغيير ديمغرافي خاصة في ظل تنامي الهجرة من ساكنة هذه الأقطار في حد ذاتها خاصة من عنصر الشباب نحو أوربا .

في هذا الصدد فإن من واجب الحكومات أن تسرع في إنجاز خطة موحدة لمواجهة هذا التهديد الإستراتيجي ،والتعاون وتنسيق الجهود في وجه هذا الخطر الداهم ، الذي يستبطن مؤامرة دولية غربية لتغيير التركيبات الديموغرافية في منطقة المغرب العربي و تمييع الهوية العربية في أقطارها فضلا عما يشكله من مخاطر أمنية وصحية بتزايد انتشار الجريمة المنظمة العابرة للقارات (المتاجرة بالبشر والأعضاء البشرية ، ترويج المخدرات والأسلحة، وتجنيد المرتزقة في التنظيمات الارهابية… )

عاشت فلسطين حرة من البحر إلى النهر

عاشت الأمة الاربية حرة موحدة

المجد والخلود لشهداء البعث وشهداء الأمة.

أواخر أغشت، 2025.

مكتب المغرب العربي للتنسيق القومي

الأمين العام  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *