المشهد الضبابي لما بعد انتخابات 2024!!
بعد ساعات تنطوي صفحة الحملة الانتخابية الرئاسية الباهتة للسنة 2024 ؛ و في غضون أيام ستطوى الآمال التي علقها السذج و المخدوعون على إعادة الرئيس المنصرف بأسرع مما طويت خيام و أخبية الحملة ليعود الشعب الموريتاني وجها لوجه مع واقع البؤس و الحرمان و تسيد الفساد و المفسدين، الذين باتوا جزءا مكينا من هوية الموريتانيين!
إذن، ليس مطلوبا، منطقيا، فتح تحليل دقيق لأية آفاق قادمة مترتبة على إعادة انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ إذ يرفض العقل السليم الانطلاق من مقدمات فاشلة ثم التوقع لتغيرات إيجابية على نتائج هذه الانتخابات. فكل المقدمات التي انطلق منها الداعمون للرئيس المنصرف لا ترقى عن كونها مواقف صادرة من أولئك الذين يمتلكون امتيازات و يدافعون عنها، أو أولئك الذين يطمحون لحصة في المأمورية الثانية من ” جيفة” الوطن الممزق حصصا بين المتاجرين بالنفوذ. هؤلاء، من خلف و سلف، هم الذين يتحكمون في خيوط هذه ” اللعبة” ، و قد انطلقوا من ثلاثة ثوابت لا يعتريها التبدل و لا التغير، منذ 1992: الأول هو العناية نسبيا بالشكل الديموقراطي لخداع الرأي العام الخارجي( حملات، دعايات فيها فحش لفظي و قذف و تهزل و تبذل بحق رأس السلطة … و انتهاء بالاقتراع). أما الثابت الثاني فهو أن أركان النظام الماسك بالسلطة يعتبرون المواطنين الموريتانيين مجرد أشياء بلا وعي يصلحون للاستخدام في كل استحقاق في هذه اللعبة المراوغة. الثابت الثالث أن الذين راكموا مكاسب اقتصادية و سياسية من هذه اللعبة اللعينة ربطوا مصالحهم و وجودهم الانساني باستمرار الفساد، بغض النظر عمن يجلس على كرسي السلطة في البلاد؛ دون وضع اعتبار لأي مصلحة عامة أو مشتركة ؛ و هذا هو أكبر تهديد و تدمير لحياة الشعوب و تلاشي قوتها و تبخر طاقتها على تدارك مصريها. إن هذا هو ما يسمى بالبيئة الطاردة للإصلاح، و هي واقعنا سواء أعادت المؤسسة العسكرية ولد الغزواني أو انقلبت عليه. و هذه البيئة هي نقطة القوة الجامعة بين كل الذين يدافعون عن فشل ولد الغزواني في مأموريته الأولى: أنه مكبل بقيود المفسدين… طيب فمن ذا الذي سيفك هذا الرئيس من قيوده في المأمورية الثانية، هل هو الشعب الذي لم يعول عليه في أول أمره حينما كان بكل ألقه و معنوياته و محاطا بإجماع وطني غير مسبوق، أم يحرره الفاسدون الذين قيدوه في مأموريته الأولى … أم تنجده فلول النخبة المتسللة لواذا من المعارضة، التي تتهافت على باب السلطة للعق أوانيها؟! . هذه أعذار أقبح من ذنوب. بكل حال من الأحوال، هذا هو واقعنا سواء عاد ولد الغزواني ، و هو أمر لا شك فيه، و سواء جاء للسلطة ، بمعجزة، أحد من اختارهم غزواني أو اختيروا له، ليكونوا منافسيه في هذه الرقصة الجماعية الممجوجة، أو هذه المأساة – الملهاة. لقد خلط المفسدون كل شيء بكل شيء ؛ فلم يعد في البلد معالم للقيم ، و لا في القاموس السياسي ، في ظل تسيدهم، ما هو خطأ أو ما هو مشين؛ بل قيمة كل أمر مرهونة بعائدها المادي على طبقة السياسيين التافهين الحاكمين؛ مما قتل روح الوطنية و الشعور بالمسؤولية..
الآن دعونا نتخفف مما يلفظه هؤلاء من تزويق و تلفيق لتبرير دعمهم للرئيس المنصرف ؛ فتلك ” خردة صدئة” لم يترك فيها الأولون ، منذ إفون رازاك، للآخرين مع معاوية و عزيز، مجالا للتميز. و إنما تعالوا نحلل التوقعات ، ما بعد عودة ولد الغزواني للكرسي الذي لم يبرحه، في ضوء الظروف الدولية و الإقليمية التي تجري هذه الانتخابات الرئاسية الموريتانية في خضمها. ما هو أكيد أن الأوليغارشية العسكرية و المدنية التي تمسك بالسلطة، من خلف الغزواني، لا يهمها مستقبل قريب و لا بعيد ؛ و إنما ينصب اهتمامها حول فرض واقع استمرار الحال على ما هو عليه… و هذا ما يعني أن الرئيس المنصرف الآن ستؤكده لجنة الانتخابات في كرسيه؛ مهما كان حجم فشله ومهما كان حجم التزوير و السخط الشعبي المترتب على ذلك. و في هذه الحالة ستكون البلاد مرشحة لأحد احتمالين: الأول أن يكون المنافسون لولد الغزوان قد أبرموا في الغرف المغلقة صفقات مسبقة ، كل بطريقته، منها ما هو مادي و منها ما هو سياسي، مقابل تزكيتهم لنتائج الانتخابات، أو مقابل ” نرفزة” محسوبة ، لبضعة أيام، بهدف امتصاص غضب الناخبين المنجرفين بتيار الإحباط. و قد عاشت بلادنا نماذج من هذا السلوك البهلواني، في ما مضى. الاحتمال الثاني أن يرفض المنافسون التزوير، الذي لا مفر منه، حتى لو أغمض القائمون عليه أعينهم و “استفوا الدقيق وسط الشهود” !! و هنا ستدخل البلاد سورة غضب داخلي و في الجاليات بالمهجر يقودها آلاف الشباب، الذين اكتووا بنار هذه الطبقة الحاكمة التي لم تبرع إلا في نهب المال العام و تزوير إرادة الشعب خلال أكثر من ثلاثة عقود. و هنا نصل لأخطر محطة يوصلنا إليها قطار الفاسدين ؛ إذ ستنفتح شهية المتنافسين، بل المتصارعين الدوليين في إفريقيا للسباق والانقضاض للتغيير الخشن في البلاد. و ستكون المقولة التاريخية حاضرة بكل جدتها و طراوتها : إنقاذ البلاد من الفوضى!
إن استعراض العضلات البهلوانية في الأيام الأخيرة، داخل العاصمة، يصلح للقراءة في الاتجاهين: التلويح بالجاهزية لقمع الغضب الشعبي على النتائج الانتخابية ، أو التسخين و التحضير لمآلات المشهد الضبابي المفتوح على أفق الغرب الذي تدعمه فرنسا و أمريكا، و أفق الشرق الذي تدعمه روسيا و أصبح يشكل حزاما إقليميا خانقا لبلدنا و طاردا لفرنسا و نفوذها في القارة الإفريقية؛ أخذا في الاعتبار واقع الصراع بين مكونات السلطة و المنتفعين من هساشتها، مهما اجتهدت تلك الأطراف على ضغط مظاهر التصدع تحت السطح…
فما العمل أمام هذه الحيرة : شعب يريد التخلص من عذاب حكامه و التمتع بخيرات وطنه من جهة، و إصرار أقلية فاسدة مشبوهة على تثبيت نظام هامشي قذفت به صروف دهر إلى قيادة بلد في غياب الشروط الموضوعية لذلك ، كما قذفت بأسلافه ذات الظروف إلى حيث لا ينبغي لهم به أن يحلموا ؟ و بأي رصيد اقتصادي أو تنموي أو ثقافي …يفوز الرئيس المنصرف و لد الغزواني؟ و لمصلحة من يفوز؟ و لما ذا تتحمل البلاد خمس سنوات أخرى من الاهتراء و الضعف و الميوعة و السيبة و بؤس الحالة الاقتصادية و تردي الوضعية الاجتماعية، و هل تقدر البلاد على المضي بهذا النهج خمس سنوات أخرى، بينما أبواب البلاد مفتوحة على أنواع الخطر، شرقا و غربا…
نترك الإجابة ل”مجهول” الأيام القادمة، فلا فائدة، و الحالة هذه، من الذهاب أبعد مما لا يحتمله التفكير العقلاني…
26يونيو 2024 .
مكتب الثقافة والإعلام.