واقع البلاد عشية حل البرلمان..
عشية الإعلان عن حل ” الجمعية الوطنية” تحضيرا للانتخابات النيابية لا يسعنا ، في حزب البعث العربي الاشتراكي، إلا أن نتواصل معكم مواطنينا الأعزاء و كما عودناكم برغم الظروف العصيبة التي يجتازها حزبكم و تجتازها أمتكم العربية المجيدة؛ و تحديا للتعتيم الممنهج الذي تفرضه ” النخب” الموريتانية و إعلامها بمختلف مشاربها و مواقفها على المواقف المبدئية للبعث العظيم؛ الذي بقي وحيدا صامدا متفردا بشرف النضال في وجه اتسونامي الرداءة؛ و ارتقى على أساليب التفاهة و التافهين الذين تسيدوا المشهد السياسي و فرضوا أنماطهم القيمية الهدامة. فلقد تحللت كل العناوين السياسية و ذابت الاديولوجيات في لعبة ” الديموقراطية” القبلية و الشرائحية بذريعة المشاركة في مسلسل المهازل الانتخابية التي تكشفت نتائجها الكارثية على حاضر وحدة شعبنا و مستقبل كيان الدولة الوطنية و البلاد.
أيها الشعب الموريتاني المظلوم.
إن اللعبة الانتخابية بما تنطوي عليه من أثقال الرداءة و حمولات التفاهة التي رافقتها على مدى ثلاثين سنة- من خلال إصرار تحالف ثالوث العسكرتارية و القبلية و شبكات الفساد القابضين على السلطة على تصفية التيارات الاديولوجية من واجهة المجال و المشهد السياسيين ؛ و تحييد النخبة السياسية الوطنية المحترفة التي تمتلك تصورا مجتمعيا و هوية فكرية و خبرة عملية- قد أنتجت واقعا سياسيا مشوها ؛ كان من حصاده المر تقويض كيان الدولة و تحطيمها معنويا و ماديا في أعين المواطنين؛ فارتكس مجتمعنا نحو درك البنى الاجتماعية التقليدية من قبلية و شرائحية و عرقية، خدمة لطموحات حفنة من الأشخاص التافهين على حساب قوى ثورية و حركات سياسية وطنية ناضلت كل الأنظمة الاستبدادية في سبيل بناء وطن موحد و دولة تقدمية حداثية قائمة على العدل و المساواة. لقد خربت اللعبة الانتخابية، في ظل ديمقراطية ليبرالية مشوهة، كل شيء له صلة بالقيم. فأصبح نهب المال العام و بيع ثروات البلاد أمرا طبيعيا… و أضحى بيع و شراء أصوات المواطنين و تشويه وعيهم يجري بكل وضوح و وقاحة كأي سلعة في أية سوق!، خدمة لهذه العملية التدميرية للوعي و الدولة و المجتمع! و أساسا للعمل التعبوي و مرتكزا لعصابة التافهين الذين يسيطرون على مقاليد الأمور… حتى أن تحطيم الدولة نفسها أصبح هو مجال التنافس بين هؤلاء المجرمين، و أصبح واقع السيبة مطلبا للمتفلتين من ربقة قيم الوطنية و أخلاق الدين؛ و هو ما ينذر بأن الانتخابات النيابية القادمة و إفرارزاتها هي الأخطر على الإطلاق على سلامة البلاد و مستقبلها. فقد تحمل هذه العملية برلمانا لا يجمع بين أعضائه سوى التحلل من القيم و الافتقار إلى الرؤية الوطنية: جماعات همجية تتصارع على النهب و السرقة و الابتزاز و الانتهازية… في غياب أي ضوابط لكبح مسار التردي الذي ينحدر إليه البلد تحت سلطة هي الأكثر عمى و خلوا من المعنى.
أيها الشعب الموريتاني الكريم.
إن تراكم الفشل ، منذ عقود، و استخدام مختلف الأنظمة السياسية المتعاقبة لمقدرات الدولة في إبعاد الوطنيين و الشخصيات الوطنية المشهود لها بالخبرة و النزاهة و تقريب الأشخاص المعروفين بالرداءة في العمل و التفاهة في السلوك لتصدر الشأن العام هو ما نحصد نتائجه المؤلمة الآن:
- فعلى المستوى المعيشي للناس، تتصاعد، على نحو رهيب، أسعار المواد الغذائية الضرورية للحياة ؛ كما تم إغراق الأسواق بالمواد الفاسدة و منتهية الصلاحية، و بالأدوية المزورة بمنتهى الوضوح دون أية محاسبة. كما تنتشر في البلد المطاعم الأجنبية التي تقدم وجباتها للمواطنين في غياب كامل لأية رقابة صحية بشرية أو بيطرية؛
- و على مستوى قطاع الصحة، تتفشى أنواع الحميات و تنتشر السرطانات بين الموريتانيين بمختلف فئاتهم العمرية مخلفة آلاف الضحايا في غياب كلي للمنظومة الصحية الوقائية و العلاجية؛ فانهارت المصداقية في الأطقم الطبية من أبنائنا جراء توريد الأدوية المزورة و المعدات المتهالكة على أيدي موردين فاسدين على صلة بمسؤولين مرتشين أو شركاء متواطئين… حتى بات شعبنا هو الأكثر طلبا للعلاج ، من أبسط الأمراض، خارج وطنه!
- و على مستوى قطاع التعليم، انهارت هذه المنظومة التربوية منذ عقود ؛ فأصبحت المدارس و المعاهد و الجامعة اليتيمة في البلاد إما أوكارا للانحراف السلوكي أو مصانع لإنتاج البطالة بفعل غياب الرؤية و الجدية في حل هذه المعضلة الهلاكة؛ بل إن كل المعالجات التي جرت باسم الإصلاحات قد أدت إلى تفكك أوصال و أرحام شعبناو تفرقته عبر انتهاج خيار الارتجال و الفوضى العارمة و تحويل مكوناته إلى بؤر متدابرة و متنافرة لا يربط بينها رابط لغوي و لا ثقافي و لا حضاري حتى بتنا شعوبا مختلفة في وطن واحد!
- و على مستوى الحكامة، تحولت الدولة و قوتها العمومية و أموالها و ثرواتها و ما تتلقاه من هبات و مساعدات و قروض إلى ثروات شخصية لثلة من الأشخاص و الأسر مما أدى إلى فرار شباب البلاد منها ( ما بين 15- 50 سنة ) ، تحت ضغط الفقر و الحرمان و انعدام الأمل، في هجرات هستيرية مكثفة غير مسبوقة؛ شباب تائه يضرب على غير هدى في شتى قرارات العالم بحثا عن حياة كريمة افتقدها في وطنه الذي يسلب و ينهب من حكامه أمام أعينه؛ فيما يتدفق طوفان هجرة الأفارقة الشباب من جنوب القارة إلى موريتانيا!
- و في المجال السياسي، تم تدجين المعارضة و إبعاد الكفاءات الوطنية و الشخصيات النزيهة في البلاد من كل أمور الشأن العام و دولاليب الدولة و تمكين الفاسدين منها ؛ فكانت النتيجة أن النظام السياسي بشقيه( السلطة و المعارضة) قد دخل في موت سريري؛ و تحولت الأحزاب السياسية إلى كانتونات للصرف المالي، شغلها الشاغل، ما بين موسمين انتخابيين ، أن تشتري، من جهة، بطاقات هوية المواطنين و أوصال تسجيلهم على اللائحة الانتخابية لتخبئها حتى يوم الاقتراع، و من جهة أخرى تبيع هذه الأحزاب المواقع المتقدمة في لوائحها الانتخابية للتجار و سراق المال العام… ، كأنها محلات( بانكيلي) أو برص لبيع المنقولات، من سيارات و أواني و عفش…!
لقد اعتقد النظام الحاكم، بلسان الواقع، أن موت المعارضة و تدجين الرموز التقليدية لها ، نفسيا و عمليا و إغرائيا، يصب في مصلحة توطيد سيطرته و تعمي عيون الشعب عن افتقاره لأي منجز يؤسس عليه مشروعية تفتخر بها سلطته في المناسبات الوطنية الكبرى. و لم يدرك ، و هو الرهين لتناقضاته ما بين المعلن من تصريحاته و بين واقع أمره، أن تحييد المعارضة من المعادلة السياسية إنما يفرغ سلطته من محتواها العملي و العقلاني؛ إذ غياب المعارضة ليس في صالح النظام و لا في صالح الدولة، و لا المجتمع. إن استمرار هذا الفراغ السياسي في الساحة الوطنية و الموت السريري لنخبة البلاد السياسية الاحترافية، التي تتعاطى السياسة بالأفكار و الأخلاق يشكل خطرا جديا و وشيكا ، ليس على النظام الحاكم فحسب، و إنما على كيان الدولة ذاتها. إن تصفية
ساحة المجال السياسي من السياسيين المحترفين و فرض طبقة من الأشخاص التافهين محلهم يساوي المجازفة بعبور صحراء خلو من المعالم بدون دليل؛ أو حل جيش منظم و إحلال مليشيا من المرتزقة محله!
و بين يدي هذا الواقع المرير لشعبنا ، في ظل نظام فاقد للرؤية و بلا هوية و لا معالم، و على أبواب انفجار دولي مروع بين أعظم قوى فيه، و استشرافا للمخاطر التي تحيق بشعبنا، داخليا و خارجيا، فإن البعث لم يكف منذ أكثر من سنة عن تنبيه النظام و الحلقات المستفيدة من واقع الفساد و من ضعف مؤسسة الدولة إلى أن رفض التغيير الجذري و الاستهتار بالرغبة الجامحة للشعب في التغيير و استمرار هذا الفساد و الإصرار على تدوير أباطرة الفاسدين و المفسدين و تعمد تمييع مؤسسات الدولة و تشجيع تحلل بقية الأحزاب السياسية في الأنساق القبلية و الشرائحية في إطار التسابق المجنون على دخول البرلمان في الانتخابات القادمة … كل ذلك سيقود النظام، في المقدمة قبل الدولة و المجتمع، إلى تغيير مجهول المصدر لا يدري أحد مآلاته ، و لا متى يطل بقرنه، و لا من أين يأتي، هل من الداخل.. أم من الغرب، أم من الشرق.
و لكن بكل الأحوال بات هذا التغيير المجهول مسألة وقت قد يتخطف الجميع، بغتة، قاطعا الطريق أمام الاستفادة من عوائد ثروة الغاز، التي يجري التحضير لنهبها على غرار ثروات الحديد و الذهب…. و السمك.
مارس 2023.
قيادة قطر موريتانيا.