العدد 62 من مجلة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي قطر موريتانيا تهنئة ..

تهنئة ..
بمناسبة شهر رمضان المبارك، يسر طاقم تحرير الدرب العربي أن يتقدم بأحر التهانئ إلى المسلمين جميعا في أرجاء العالم ، راجيا لهم صياما مقبولا و قياما مأجورا…
على لسان رئيسها.. موريتانيا تعيسة. هل هي الصراحة أم هي الوقاحة ..!!
ما كان الموريتانيون ينتظرون ، و هم أحد أتعس شعوب الأرض، أن يخبرهم رئيسهم، من خارج البلاد، بأنهم فقراء مدقعون إلى حد أن بعضهم لا يجد ما يأكله و بعضهم لا يجد ماء شروبا، و بعضهم يعيشون في ظلمات دائمة ، و هم في القرن الواحد و العشرين.هكذا أخبرهم رئيس الجمهورية بتعاستهم؛ و قالوا إن ذلك كان من باب تعلق سيادته بالصراحة و انشداده للوضوح. كان بإمكان سيادته أن يستغني عن برنامجه الانتخابي من ألفه إلى يائه و يعلن في الملعب للموريتانيين أنه مدرك لبؤسهم، و ليس عنده ما يغير واقعهم. بأي حال، لن يقال في هذا الموضوع الغريب أكثر مما قاله الموريتانيون بمختلف توجهاتهم السياسية و مشاربهم الفكرية… و ملخصه أن رئيسهم ، بالنتيجة النهائية، خارج عن الإحساس بالزمن ؛ الأمر الذي دفعه للتفاعل مع الأحداث و المشاعر بمنتهى السلبية. صحيح أن الموريتانيين، منذ أكثر من سنة، أدركوا، على وجه اليقين، أن رئيسهم يدور في فراغ كالنومشي، بلا جاذبية لأي هدف؛ و كان أقصى الطموح عند الموريتانيين أن يبقى هكذا في منزلة وسط بين الإيجابية و السلبية حتى تنتهي مأموريته بسلام دون انكشاف زائد لواقع الحال، و لا انسداد كامل أمام الأمل.غير أن “خطاب مادريد” أصاب الموريتانيين جميعا، سواء من سكت ذهولا و من صرخ ارتعابا، بصدمة صاعقة! فهل يعقل أن يصدر مثل هذا الحديث من رجل تحمل أخطر مسؤولية بكامل وعيه و إرادته، و هو مدرك لوضعية شعبه بكل تفاصيلها و عارف تمام المعرفة بأسبابها يوم تقلد مسؤوليته؛ و تعهد بإخراج البلاد من ذلك المأزق الخانق منذ عقود ؟ هل يعقل أن ينتهي الطبيب الذي تعهد بعلاج شخص أكلت النار جسمه بأن يخبره بأن الموت ينتظره لأن الحروق بلغت فيه الدرجة الثالثة في غياب تام لأي علاج دون أن يعطيه أملا في الشفاء من مأساته، أو يبذل جهدا في الاتجاه الصحيح للبحث عما يواجه به الخطر الذي يحدق بمريضه؟ و هل من أكلت النار جسمه بحاجة لمن يصف له خطورة وضعيته، و هل يكفيه التشخيص؟ و ما قيمة تشخيص لا يفضي لعلاج و لا يعطي أملا في الشفاء ؟ هذا هو ما قدمه الرئيس الموريتاني لشعبه بعد الصبر عليه أكثر من سنتين شاهده فيها يدور بين زمر الفساد، يمينا و شمالا، أفقيا و عموديا، يولي أمور الناس لأفسد المفسدين على تاريخ الأنظمة التي تعاقبت بالسياط على جلد هذا الشعب . و الأغرب من ذلك أن هذا الرئيس هو ثاني اثنين انقلبا بالقوة على رئيس” منتخب” بعد أن قادته ” صراحته التيئيسية” إلى الوقوع في مثل هذا الخطإ المعيب دون أن يحمل للشعب أملا في المخرج ؛ فسد في وجه الشعب الأفق، و رفع أمامه شارة العجز ، فاستثمر المنقلبون، بعد ثمانية عشر شهرا فقط، صدمة الشعب و أزاحوه من موقع مسؤولية صرح بلسان الحال و المقال أنه لا قبل له بها… فكيف وقع الرئيس الحالي في هذه الحفرة السحيقة التي بدا فيها كمن يطلق النار بنفسه على قدميه؟ و كيف لم تقده ” صراحته و وضوحه”إلى ذكر أسباب مآسي الموريتانيين و فقرهم و جوعهم و عطشهم و مرضهم و جهلهم ….، التي هي الفساد و المفسدون، الذين يصر الرئيس ولد الغزواني على التمسك بهم في كل مؤسسة و كل مرفق؟
هل هي حقا الصراحة.. أم هي حقا الوقاحة ..أم أن الرئيس يسعى، بمثل هذا الحديث و هذا الإهمال للمسؤولية و التمييع للدولة ، لمن ينقذه من ورطة حكم – ليس هو ممن خلقوا لمتاعبه و محابسه – كما ” أنقذ ” هو وزميله الشيخ الرئيس، رحمه الله، من ورطة السلطة ، فراح للتفرغ لشؤون زاوية والده حتى أتاه اليقين … و كلكم ميسر لما خلق له.
رئيس الجمهورية.. ليس الوعظ من مهامكم ..!!
لا شك أنكم، سيدنا و وسيلتنا إلى ربنا، تعرفون تمام المعرفة فساد إدارتنا و انحراف مسؤولينا و غش ولاة أمرنا… و أنكم على اطلاع كامل بحجم المعاناة التي يكابدها المواطنون الموريتانيون مع مختلف زمر الفساد في كل مؤسسات دولتهم و مرافقها و شركاتها الخدمية. أجل.. أنتم تعرفون ذلك، و لا شك. فقبل أن تصبحوا ، بفضل الله عليكم ثم بسبب مطبات تاريخية ، رئيسا للجمهورية و في منأى عن الحاجة للإدارات و متاعبها، كنتم مواطنا عاديا ؛ و اطلعتم شخصيا، نسبيا، خلال حياتكم على صنوف من المشاق و العيوب و الاختلالات و الاعوجاجات التي تشمل دولتنا. و لا بد أن أصدقاءكم و زملاءكم حدثوكم عن صنوف أخرى أشد إيلاما و ظلما لم تعانوا أنتم منها شخصيا، لأن مريدي الطريقة و تلاميذ الأسلاف من المسؤولين جنبوكم ذلك الكرب المبين و الظلم العظيم الذي يطحن يوميا من ليس لهم مريدون من المسؤولين، و لم ينحدروا من ” سلالة الصالحين” ! فلا بد أنكم سمعتم من أقاربكم المواطنين العاديين من حكايات الظلم و قصص الانحراف في هذه الدولة ما لا خطر بخيال.. و لكن ضحاياه هم أولئك لذين ليس لهم في الدنيا وسيلة ضغط و لا نفوذ إكراه مادي أو معنوي. إن حديثكم، سيدي، عن آفة ما سميتموه ” اختلال الإدارة ” تجنبا للتعبير بلفظ ” آفة الفساد”، لطفا و استحياء منكم تجاه المفسدين، يعتبر تحصيل حاصل.؛ فالكل ، مدونون و مغردون و كتاب…، تحدثوا ؛ بل صرخوا من تاعب الفساد و مصائبه … و أنتم، سيدي، ليس من مهامكم التشخيص و لا الوعظ ، و إنما شأنكم الاطلاع على عيوب المسؤولين و القرار و المحاسبة و التنفيذ، تبعا لنوعية كل اختلال و عيب و انحراف . ذلك هو ما انتخبكم من أجله الشعب الموريتاني، و ذلك ما يميز انتقالكم من دائرة عامة المواطنين إلى مقام رئيس الجمهورية. فمن كان عيبه يتعلق بضعف كفايته ، كان عليكم محاسبته بتنزيل موقعه و تحويله إلى ما يناسب أهليته. و من كان عيبه في التهاون و اللامبالاة ، فكان من واجبكم الوطني تجريده فورا من المسؤولية و تركه يجتاز فترة قحط وظيفي تعزيرا له و تقويما لانحرافه. و من كان عيبه في تعاطي الرشوة و نهب أموال الشعب و تزوير وثائق الدولة … و التفريط في المصلحة الوطنية العليا، فكان من واجبك السيادي محاسبته بطرده من المسؤولية و من الخدمة العمومية … و سجنه حتى يسترد الشعب منه حقوقه المادية و المعنوية. أما أن تلقي محاضرة واعظة و تتحدث مطولا عما ينبغي على الموظف العمومي فعله إزاء المواطنين، فهذا أولا لا ينفع شيئا؛ فقد بحت حناجر أئمة المساجد و الزوايا به من قبلكم و لم يكن له تأثير عملي محسوس على حياة المواطنين.و ثانيا، ليس الوعظ من صلاحياتكم الدستورية، يا رئيس الجمهورية ، فإما أن تتصرفوا بصفة رئيس الجمهورية و حزمه ، قولا و فعلا، و تدافعوا عن حقوق الشعب الذي انتخبكم أنتم و تعهدتم له بذلك ، و ليس مجالس الوزراء و لا الولاة و لا بقية المنصة العمومية، و إما أن تتنحوا عن هذه المسؤولية الحساسة و الخطيرة ، في الدنيا و الأخرى. و قد صح في التاريخ أن أشخاصا تقلدوها بحسن نية و طيب طوية ، مع سوء تقدير لعظم المسؤولية… ثم تركوا هذا الأمر حين أدركوا أنهم لا يصلحون له، و لا يصلح لهم. فهل أنتم فاعلون ؟
الأزمة الأوكرانية .. و غرز المسمار الأخير في نعش الحلم الأمريكي بالسيطرة على مصير العالم..
لن نطيل كثيرا في تتبع مسالك المحللين السيتراتيجيين لاحتمالات نهاية الأزمة الأوكرانية… لأن هذه التحاليل متشعبة و خالية جميعا من الموضوعية، لانتفاء الحياد. لكنها تشترك كلها في خلاصة واحدة ؛ و هي أن الدول الكبرى في العالم ( أمريكا، الصين، روسيا) لم تكن غافلة عن مقدمات هذه الأزمة، التي كانت تجري تحت عيونها و مراصدها و أن ما بعدها مختلف عما قبلها. فالولايات المتحدة لم تكف يوما عن وضع الخطط لشل الفاعلية الدولية المتصاعدة للصين من جهة؛ و من جهة أخرى لمنع روسيا من استعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي و إبقاء الدب الروسي مترنحا في نطاقه الإقليمي ؛ و ذلك ضمن ضمن استيراتيجية كونية تبقي على تفرد أمريكا المطلق بأنواع مصادر الطاقة في مختلف أنحاء العالم ؛ بما في ذلك التمكين لها بالتمدد في نفوذها على روسيا و الصين، عبر خنقهما بمحيطهما الدولي، طلبا لديمومة التفوق الأمريكي عالميا على مجالات الصناعة و التقانة و الاقتصاد و القوة العسكرية ذات التدمير الكوني الشامل. و فيما تاهت دول أوروبا ، عرضا و طولا ، في طريق الخطإ و الوهم بأن روسيا قد انتهت للأبد و أن الصين مكشوفة استيراتيجيا ، كانت الصين و روسيا تحضران، أثناء مغامرات أمريكا العدوانية خلال العقود الثلاثة الماضية، لاستيلاد ، و إن كان عسيرا، لنظام دولي جديد، عبر توليد الحيرة الصاعقة و الرعب المفاجئ للعالم انطلاقا من تفجير أزمة أوكرانيا، و كر تركز المؤامرة الأمريكية الكبرى على البلدين. لقد كان إطاحة ما تعود عليه العالم من الاستسلام للرعب الأمريكي يقتضي خلق رعب أكبر و باتجاه معاكس حتى ترتج أسس الثقة في قدرة الأمريكيين الذين بنوا هيمنتهم على الترويع و تجريع الشعوب الانطباع بأنه لا غالب لأمريكا في هذا العالم ! هذا الرعب الأكبر هو ما عبر عنه بوتن بوضع قوة الردع النووي السيتراتيجي على حالة استعداد؛ و من لحظتها اهتزت أسس الاستكبار الأمريكي، و اهتزت تبعا لذلك الثقة العمياء لأتباعها في قدراتها المطلقة على الاحتفاظ الأحادي بالسيطرة على مصير العالم. و قد مرّ التحضير لمثل هذه المواجهة التاريخية بمراحل ظهرت فيها روسيا و الصين أحيانا بمظاهر الضعف أمام أمريكا، و أحيانا بمسلكيات دولية لا هي بالخاطئة تماما و لا هي بالصحيحة كليا في تعاملها مع الأحداث العالمية، خلال العشرين سنة الفارطة. و كأن الهدف هو دفع العالم إلى هذه اللحظة الغامضة و المربكة من مستقبله. و من هنا، فإن ما يجري هو أمر جلل أكبر ، في نتائجه ، من السيطرة على أوكرانيا؛ بل إنه أوضح التنافر العظيم بين النظام الدولي الأمريكي القائم ، الذي تعض عليه أمريكا و حليفاتها الغربية بنواجذها، و بين مسيس الحاجة العالمية لنظام دولي بديل ، متعدد الأقطاب، كما ينشده ، بعمق، ضحايا أمريكا و حلف شمال الأطلسي. و هنا يبرز ذكاء المخطط المارق على النسق الأمريكي الذي أقدم على مغامرة عسكرية محسوبة لا غنى عنها لتدرك بقية العالم أن الخروج من النظام الأمريكي الدولي بكوارثه يستوجب عملا غير عادي على طريق مجهول في سبيل فرض نظام بديل ، مهما كانت مخاطره و مشقاته، أفضل للبشرية من الاستمرار في الجحيم الأمريكي المعلوم. الآن، يجب استبعاد أي احتمال لهزيمة روسيا و الصين في هذه المواجهة الدولية مع الغرب. ذلك أن أي هزيمة لهاتين الدولتين ستكون نهاية فورية للأولى و عزلة استراتيجية مميتة للثانية، بعد حين، و هو ما لن يقبله شعبان عريقان في التاريخ…
بلد غني فقير .. أم فقير غني؟ ( الحلقة 1)
فى اجتماع مع أفراد من جاليتنا فى العاصمة الإسبانية مادريد، صرح الرئيس غزوانى بأن موريتانيا بلد فقير. يستشهد فى ذلك بتواجد طوابير المتسولين عند ملتقيات الطرق فى نواكشوط، و بشهادة الأمم المتحدة على هذه المأساة .. لو أن كان هذا الكلام صادرا عن شخص عادي لقلنا إنه تحصيل حاصل، أو كتفسير الماء بالماء .. أما إن القائل هو رئيس الجمهورية ذاته و لأن ألْسنةَ العقلاء معصومة من العبث، فإن هذه المقولة تستدعي تفكيك شيْفرَتِها و معرفة خلفيتها .. نعم موريتانيا دولة فقيرة. بل هي فى ذيل دول العالم بحسب عديد التصنيفات والدراسات؛ و منها ما مصدره المنظمة الدولية. حقيقة تخنقنا العبرة عند الإعتراف بها .. لكن لا مناص من ذالك الإعتراف. يكون الأمر أشد وطْئا إذا دخلنا فى التفاصيل. تمثل المدن الموريتانية الكبيرة، نواكشوط نواذيبو ،كيفه و روصو … الواجهة العصرية للبلاد. مظاهر البؤس و التخلف الشديد لا تخطئها عين الزائر الأجنبي.. بؤس مركب من شقاء ساكنة ريفية قذف بها على عجل جفاف السبعينيات المستمر، حاملة معها أنماط حياتها البدوية و ما استطاعت لملمته على عجل من مقومات بقاء هزيلة فى العالم الجديد .. و من معضلات المدن العصرية التى تواجهها المجتمعات الراقية فى جميع أنحاء العالم. يُخيَّل إلى الزائر الأجنبي أنه شاهد أقصى ما يمكنه تصوره فى مشهد هو أقرب إلى أفلام الرعب … فكيف به إذا أوصلته المقامرة إلى داخل البلاد !.. هناك سيرى العجب العجاب. الناس فى جميع المناطق يصرخون بصوت واحد بطلب الماء، عصب الحياة، و قد بلغ منهم العطش كل مبلغ .. كما يطلبون أبسط الغذاء لمن لا مال لهم فى ظل شح المواد و ارتفاع الأسعار و احتباس الأمطار الذى يؤدي إلى نفوق الماشية و الالتجاء إلى العلف (الحش) الشحيح أصلا و الغالى الثمن. نفس المعاناة يكابدها الفلاحون و المزارعون الذين يشكون قلة البذور و المدخلات الأخرى و ارتفاع أثمانها .. على جبهة الصيد البحرى فوضى عارمة سِمتها النهب المنظم لثروات محيط تعد شواطئه أغنى شواطئ العالم. نهب تشترك فيه الدول العظمى مثل تلك المنضوية تحت راية الاتحاد الأوربي، و الصين، و روسيا، و تركيا … مع دول إقليمية صغيرة مثل السينغال. فوضى سِمتُها كذلك ارتفاع الأسعار الذى عمت به البلوى كل مدينة أو قرية من الوطن. ثم انتشار البطالة و الفقر فى مدينة يقال إنها العاصمة الاقتصادية للبلاد، و يباع فيها السمك بآلاف الأوقية للكيلوغرام الواحد، دون السعر الذى يباع به فى … مالى ! و كان قد تمَّ اصطياد هذا من شواطئنا. تصوروا !!..
أما فى مجال الموارد المعدنية و الصناعة (الغائبة) فيكفى مشاهدة مئات الشاحنات الذاهبة و العائدة من مدينة أكوجت تحمل حاويات موصدة لا يعرف ما بداخلها إلا الله و المرسل (بكسر السين) ( و المرسل إليه. هذا المشهد يكفى لمعرفة كم نحن غائبون عن حقيقة هذا القطاع. إذا أضفنا إلى ذلك المبلغ الزهيد – 4% – الذى يحصل عليه البلد من ذهب تازيازت أو م. س. م. و من استغلالات أخرى لسنا نعرف عنها شيئا مثل حجارة الزينة أو جيبس ساميا أو مشاريع السياحة الكثيرة، و مثل البترول و الغاز … ثروات يسمع عنها لكنها كالكبريت الاحمر لاترى بالعين. أو على الأصح لا تٌرى نتائجها على أرض الواقع، و لا يُرى بموجبها أيُ تحسن فى حياة الشعب.
نعم موريتانيا بلد فقير من منطلق الواقع المعيش و قد صدق فخامة الرئيس فى التذكير بذلك و فى رفع اللبس الذى كان بذهنه، أي أن موريتانيا بلد غني ! .. هي بلد غني بالفعل، بل فاحش الغنى إذا نظرنا إليه من زاوية الموارد الطبيعية. على الأقل تلك التى لم تُستنفد فى عامة الليل مثل “التربة النادرة” الثمينة جدا التى كانت موجودة بالأطنان لكنها انتهبت كليا. و مثل نحاس اكجوجت الذى يبدو أنه على وشك النفاد، مما دفع الشركة الغربية العاملة فيه للإعلان عن نيتها الانسحاب منه. ما تحت الارض من المواد الأولية الأخرى كثير، الحديد الذهب الفسفاط الجبس، مما هو معرف أو يتم استغلاله .. أما ما تمَّ الترخيص لاكتشافه فمعتبر كذالك، و كشفت البحوث عن قرابة ألف مؤشر تمَّ تسجيلها … ناهيك عن المعادن التى يذكرها الناس على الدوام، اليورانيوم، البترول، الغاز، الماس، و المعادن النفيسة الأخرى .. فى مجال الفلاحة و التنمية الحيوانية فهناك الأراضى الخصبة لأنها بكر غير متعبة مثل الأرض المقابلة فى الضفة السنغالية: و هناك مياه النهر و الزراعة المروية؛ و هناك الزراعة المطرية الهامة لكن المهمولة أصلا برغم انتشار ممارستها في مناطق الأكثرية من سكان البلاد ؛ و هناك الثروة الحيوانية الهائلة القابلة للتصنيع و تحويل كافة اجزائها ..
فى مجال الثروات البحرية توفر إطلالة البلد على المحيط الأطلسي و شواطئه التى تمتد على 700 كم و التى قلنا عنها وقال غيرنا إنها أغنى شواطىء العالم بالسمك كونها تقع قبالة تيار الكناري البارد الذى يتقاطع مع تيارات أخرى دافئة. و كذلك مع وجود ميناء محمي طبيعيا الخ .. وضعية مثالية مفتوحة على ما لايُحصى من فُرص الإقلاع. تُوفِّر المياه الداخلية كذلك مثل نهر سنغال و المسطحات المائية مثل بحيرة الركيز و بحيرة ألاك و فُم لكليته و المحميات المائية المنتشرة فى شرق و وسط البلاد، و بعضها يستغله فى الغالب أجانب كما هو حاصل فى بحيرة محمودة الغنية بالسمك لكن يستغلها الماليون أساسا … تُوفِّر هذه المياه كذلك فرصا هامة فى صيد الأسماك و الري و الملاحة.
أخيرا و ليس آخرا لقد حبى الله هذا البلد بمواد طبيعية متجددة لا حد لها، عنيتُ الشمس و الرياح و أمواج البحر التى يُعوَّل عليها كبديل للطاقة الاحفورية…( يتواصل)
التعليم في موريتانيا وأزمة المجتمع المتفاقمة
عرف التعليم النظامي في موريتانيا، عبر محطات تاريخ الدولة الوطنية، عدة محطات طبعها التردي كلما تقدم عمر الدولة.
تميزت الأولى من هذه المحطات بالجدية والنظر إلى التعليم بنفس نظرة دول الجوار حتى لا نقول بنفس نظرة العالم إلى هذا القطاع الأساسي، غير أن تلك الجدية اصطدمت بسياسة فرنسا وأعوانها في الداخل عند ما أقدم النظام على تعريب بعض المستويات الدراسية فأثاروا فوضى كادت تفضي إلى حرب أهلية ولم يتوقفوا – في عمليتهم الهادفة إلى خلق أزمة مجتمع دائمة – عند هذا الحد، بل تجاوزوا ذلك إلى وضع شروط للتعليم مضمونها أن تظل لغته فرنسية أو لا يكون !
هذه السياسة الواضحة من غير إعلان هي التي جرّت إلى كذبة (إصلاح 99) الرامية إلى تشطير المجتمع و وضع حدود لغوية فاصلة بين مكوناته بحجة الاختصاص؛ بحيث لم تعد بعض فئاته تتواصل مع بعض جرّاء العائق اللغوي…
أما المرحلة التي يعيشها التعليم حاليا فهي تشكل أسوأ محطاته خاصة عندما يقارن مستوى مخرجاته بالإمكانيات المسخرة له؛ وتزداد الدهشة عندما يلاحظ أن هذه الإمكانيات لا تصرف على الوجه الذي يفضي إلى تحقيق مآرب التعليم الأساسية وإنما تهدر في الورشات والتكوينات الوهمية والبعثات الشكلية.
ولا شك أن الأحداث التي شهدها ما يسمى بالمجلس الأعلى للتهذيب مؤخرا والمتمثلة في استقالة رأس إدارته عندما وجدت نفسها في حلقة من العبث واستبدالها بوزير سابق للتهذيب عرف عهده بأسوأ عهود التعليم، لهي قرائن تثبت أن هذا المجتمع لا يراد له تجاوز مربع التخلف الذي تتفاقم أزمته كل يوم لأن تعليم هذا المجتمع يزداد رداءة يوما بعد يوم!.
ما يهم الفقراء
ارز (الضفة) كغ 350
أرز (بسمتي) 800
الزيت ل 850
السكر كغ 400
حليب( إنكو) 2500
حليب (اقلوريا) 150
البصل 300
البطاطا 300
مكرونة أطلس 400
مكرونة مدينة 400
طماطم 400
جزر 400
القمح 200
لحم غنم 2500
لحم إبل 2400
لحم عجل 2000
دجاج 1200
سمك(بنبانو) 2500
سمك(سق) 2500
سمك أزول ) 1800
صابون صغير 100
عن الاسبوع الوطني للغة الفرنسية
أقامت (المنظمة الموريتانية للفرنكوفونية) يوم 12 مارس الجارى بالتعاون مع مدرسة “لى سابليت” الحرة حفلا لتخليد أسبوع اللغة الفرنسية فى موريتانيا حضره جمهور غفير من ساكنة نواكشوط، و دُعيتْ له القائمة باعمال السفارة الفرنسية بموريتانيا نيابة عن سفيرها المتغيب. من ضيوفه البارزين كذلك وزير الثقافة الموريتاني المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي للحكومة، المختار ولد داهي، و الوالى المساعد لولاية نواكشوط الغربية. ألقى الوزير كلمة بالعربية ثم تَرجم بعضها إلى الفرنسية، محاولا خلالها الإيحاء بأنه ضيف لا أكثر .. لكنه فى الواقع، أضفى على التظاهرة بحضوره و خطابه، مسحةً من الرسمية لم يُفوِّتْ رئيس المنظمة (الموريتانية للفرنكوفونية) أحمد ولد حمزة الفرصة للاشادة بها، بل اعتبرها فتحا تحقق له بعد طول محاولة.
يلاحَظ هذا العام بعض التغير فى ستراتيجية التظاهرة حيث حاول مخططوها استهداف شريحة العرب البظان الذين ظلوا يقاطعون تلقائيا النشاط الفرنكوفوني، فى ما دأب هذا التيار على التركيز على الزنوج حصريا. حاولت تظاهرة هذه السنة – ذات الأربعين نشاطا كما تقول ممثلة السفارة الفرنسية – تدارك هذا “الخطأ” بجعل جميع الاولاد الذين يظهرون فى السكتشات مثلا بظان – ليس من بينهم أي بظاني أسمر، الشيء الذى يُظهر بجلاء النظرة التجزيئية للتيار الفركوفوني أزاء الاكثرية العربية البظانية من الشعب الموريتاني، بيضها و سودها -.
من المتغير هذا العام كذلك عزوف الممولين الخصوصيين عن المشاركة فى إعداد التظاهرة، خلافا للسنوات الماضية، و ذلك بسبب الضغط الشعبي و يقظة الرأي العام.
ليس غريبا أن صارت السلطات الرسمية تبدى تعاطفا مع أية مبادرة تزيد فى ترسخ اللغة الفرنسية فى هذا البلد لظنها صلابة هذا الترسخ .. لكن، و بغض النظر عن الطابع الاستفزازي و مظهر الابتهاج لهذه التظاهرة التى تقام فى جو لم يسبق له مثيل من التذمر الشعبي تجاه اللغة الفرنسية، و فى تزايد الاحتجاجات ضد بقائها مهيمنة على المشهد الثقافي التعليمي و على سيْرِ الإدارة و القطاع الخاص .. فيدل ذلك الاستفزاز و الابتهاج حقيقة على أن النظام أصبح للأسف غير مصغٍ للمطالبة بمراجعة بعض مواقفه بسبب تشبثه الغريب، غيرالمبرر و غير القائم على أساس من القانون، بلغة أجنبية لا دستورية، لغة المستعمر الذى نزعم أنا تحررنا منه. بل إن هذا الموقف هو فى الواقع شكل من أشكال الهروب إلى الأمام يستحيل استمراره و يجعل السلطة الحاكمة عمليا فى مواجهة مفتوحة مع طيف واسع من الشعب الذى يطالب بالتعريب الفوري للإدارة و التعليم. و يضع السلطات كذلك فى تعارض صارخ مع سياسة الانفتاح المعلنة و المعالجة السلمية للمشاكل.
لم يعد نضال القوى الوطنية و القومية من أجل الاستقلال الثقافي و اللغوي يحتمل التراخي .. فلا بد من رفع شعار التعريب عاليا و مطالبة التحرر من الهيمنة الاستعمارية للغة الفرنسية.
الغرب يصنع إسرائيل جديدة ..!!
لم يكن “وعد بلفور” الذى سلم بموجبه من لا يملك، بريطانيا، لمن لا بستحق، حثالات و صعاليك المستوطنين الأوروبيين، لم يكن هذا الوعد السخي إلا بداية فى إنتاج المزيد من الكيانات الاستعمارية الغاصبة و الآلات التى يتم تسخيرها للوقوف فى وجه و عرقلة تحرر و وحدة الأمة العربية، هذا المارد الذى يُتخوف من استيقاظه على كل الصعد. أمس “إسرائيل” و اليوم النظام الصفوي الحاكم فى إيران. فإن كانت ” إسرائيل ” مكشوفة فى شرعيتها حيث الدُِعاؤها مِلكِية الأرض العربية الفلسطينية هشٌ لا يستند إلى حقائق تاريخية ثابتة و مقنعة للرأي العام الدولي؛ و مكشوفة فى نهجها الإجرامي و فلسفتها الدموية التى استقتها من توراة مُحرَّفة؛ مكشوفة كذلك فى ممارستها القمعية الموغلة فى العنف و العنصرية … فإن نظام ملالى إيران يكتسى خطورة أكبر لاعتماده الخداع و تستره وراء الدين. فهو يختلف فى المظاهر و الأساليب و التكتيكات – و لو كانت الأهداف واحدة كما سنرى – يتلبس بلبوس الإسلام و يدَّعىِ الثورية و محاربة الكيان الصهيوني و أميركا و الغرب جميعا !.. الاسم الرسمي الذى اختاره هذا النظام لدولته هو “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، و مظهر الرسميين الإيرانيين هو العمائم و اللحى و الزي الإسلامي التقليدي، و علَم الجمهورية يحمل اسم الجلالة برسم أقرب إلى الكاريكاتور تعالى اسمه عن ذلك علوا كبيرا .. فى الواقع و على أرض الممارسة اليومية، فإن هذا البلد الكبير واقع فى عُزلة كلية عن بقية العالم الإسلامي بسبب النهج الطائفي الذى ابتُليَ به منذ القرن السادس عشر و بتحولِ بلاد فارس إلى الصفوية على يد الشاه إسماعيل الصفوي، و تعزز ذلك النهج بعد ثورة آية الله الخميني التى اندلعت سنة 1979 و التى هي مستمرة إلى اليوم .. هذا المذهب يتسم بصفات أقل ما يقال عنها إنها غريبة، و بعيدة من إسلام تسعين بالمائة من مسلمى العالم. مظاهر كرنفالية على مدار السنة، بهرجة، ألوان، شعارات، طقوس البكاء و النحيب و الدم و اللطم الذى يدمي الأجسام … كل هذا فى إطار هرطقات عقائدية تتصدرها عقيدة الإمامة و تقديس بعض من آل البيت و مظلومية الحسين رضي الله عنه … إلى آخر ما لا يحصى من الغرائب نتوقف عنها لئلا تبعدنا عن موضوعنا.
لقد أسقطت الطغمة الحاكمة فى إيران خزعبلات الصفويين و الاستبداد الذى اقتبسوه من فلسفتهم، التى يرجعها بعض الباحثين إلى خليط من الديانات الهندية و الفلسفة اليونانية و المانوية المجوسية، أسقطوا هذه الخلطة على ممارساتهم السياسية و مشاريعهم العدوانية. فالدستور الذى أتت به الثورة الخمينية ينص على أن الولي الفقيه يُنتخَب من الطائفة الإثني عشرية حصرا .. من دون الطوائف الشيعية الأخرى، و بالأحرى من دون السنة المغيبين أصلا .. قد يوجد على المسرح السياسي شبهُ حياة ديموقراطية برئيسها و برلمانها و أحزابها … لكن حقيقة السلطة هي بيد الولي الفقيه.
تفطنت الغريزة الاستعمارية الغربية لكل هذه الصفات، و لعنصر الحقد المتأصل للعرب و هوس الثأر منهم عند النظام الصفوي، و رغبته الجامحة ، لكن الغبية، فى إعادة أمجاد فارس .. استيقظت نزعة الاستعمار الغربي فى التمدد فانتهز فرصة وجود قواسم مشتركة أساسية بينه وبين هذا النظام، و فى مقدمتها الطمع فى خيرات العرب، و أيقنت أنها وجدت ضالتها فبادرت بوضع خطة للتحالف مع حكم الملالى. تحالف يختلف فى الشكل و فى التكتيك كما رأينا مع صُنوه ” الإسرائيلي” ، لكنه يؤدي فى النتيجة إلى الهدف الغربي المنشود و هو خلق كيان سياسي ثانٍ يزيد فى إرهاق العرب و الاستمرار فى منعهم من إلتقاط الأنفاس بعد قرون من السيطرة الأجنبية، العثمانية أول ثم الغربية ثانيا، و من التفرغ إلى لملمة أوضاعهم و على رأسها تحرير أرضهم و توحيد أقطارهم. بهذه الضربة المزدوجة يصبح الوطن العربي بين فكي كماشة ،أحدهما فى الغرب و الثاني فى الشرق، فى بلاد فارس. من هنا كانت دقة عبارة “إسرائيل الشرقية” التي يقصد بها إيران و ” إسرائيل الغربية” التي تعني الكيان الصهيوني.. و هي عبارة مبتكرة لكنها أصبحت رائجة بواقع التنسيق السياسي و العسكري القائم بين الطرفين، و الذى لم تستطع ادعاءاتهما و شعاراتهما بالعداء المتبادل تغطيته. فأصبح ذلك التناغم و التنسيق مكشوفين على أوسع نطاق و لم يعد العقلاء من العرب و من غيرهم ينخدعون بشعارات “الشيطان الأكبر”، “سنزيل إسرائيل”، “محور المقاومة” …
لقد نجحت خطة الغرب فى صنع “إسرائيل” أخرى عند الخاصرة الغربية للأمة العربية وجندت نظام ملالى طهران لمهمة محاصرة العرب من خلال احتلال أراضيهم و تهديدهم الدائم. إذا كانت إسرائيل الغربية، الكيان الصهيوني، تكفلت بتنفيذ رغبات الغرب فى السيطرة و الاستيطان، و فى استدراج الحكام العرب الخائرين و التابعين، لما يسمى التطبيع، الذى هو فى الحقيقة استسلام سافر أمام هذا الكيان المسخ .. إذا كان ذلك فإن نظام الملالى اسرائيل الشرقية، من جهته يقوم بنفس المهمة القذرة لكن فى غطاء و دخان كثيف من الشعارات لتضليل العرب و المسلمين و لصدِّهم عن مواجهة هذا الشيطان على الأرض العربية فى سوريا و العراق و لبنان و الأحواز و اليمن … حتى أصبحت عداوة إيران تفوق العدو التقليدي للعرب، الكيان الصهيوني، و أصبح تصنيف العرب له فى راهن الزمن بالعدو الأول. قبل هذا الكيان الصهيوني .. فى الحقيقة هما عملة واحدة أهدافها واحدة تستفيد من خنوع الحكام العرب و خيانتهم و تبعيتهم العمياء للامبريالية، المهندس المشرف لكل ما يجرى ..
لقد اتضح إذن مما تقدم أن الغرب الاستعماري و الامبريالية عموما مازالت هي اللاعب الأكبر فى منطقتنا تخلق الكيانات و تنشر الولاءات بحساب مصالحها و أن مقارنة الكيان الصهيوني هي مع النظام الإيراني الحالي و ليس إيران التى هي دولة كبيرة عمرها آلاف السنين تملك تراثا ثقافيا فريدا و تاريخا عظيما، و الشعوب الإيرانية التى تئن حاليا تحت وطئة الاستبداد و الدكتاتورية هي حليف للعرب. الصهائنة جاءوا لفلسطين على رأس القرن الماضى و سيعودون يوما من حيث أتوا. أما إيران فهي دولة باقية و الذين يحكمونها عصابات ظلامية و متخلفة زائلة هي الأخرى.
لكن فات الكل فى غرورهم، من جحافل الأعداء و من الحكام التابعين و من لف لفهم من طبقات النفاق و الارتزاق، و من الإعلام المأجور … أن الجماهير العربية و طلائعها المناضلة من المحيط إلى الخليج ليست نائمة كما يتصورون و أن الكلمة الأخيرة ستكون لها بحول الله.