العدد 60 لشهر فبراير 2022 من مجلة الدرب العربي الصارد عن حزب البعث العربي الاشتراكي قطر موريتانيا
أنسكت.. و أنين شعبنا نسمعه من قريب..!!
لا شيء أسهل من ركوب مركب النفاق.. و لا شيء أقل كلفة من الانسجام مع القطيع. سكت الجميع: سكت الكادحون و سكت الإخوان… و سكت الإيراويون… و سكت افلاميون. و لم يسكت البعثيون !
فلما ذا لم يسكت البعثيون؟
لم يسكت البعثيون ،لا لأنهم يشترون الخصام مع هذه السلطة أو أي نظام سابق، و إنما لأنهم لم يستطيعوا السكوت طيلة تاريخهم السياسي على تحويل بلدهم إلى فطيرة يريد كل واحد أن يعمل سيكينه فيها؛ فإن أعطي منها رضي و إن لم يعط سخط. هذا النهج المبدئي مع الأنظمة و السلط أبعد البعثيين عن صفو الوداد مع من يمسكون بدفة مقاليد الأمور منذ أول خلية بعثية على هذه الأرض ، و مع عناوين النخب الموالية لهم. و لم يشفع للبعثيين عند الحكام في هذا النهج أن كانوا دائما أبعد النخب عن التزاحم على المناصب، و لم يشفع لهم أنهم لم يرتبطوا بجهة استقواء خارجية مهما تعقدت علاقاتهم مع هؤلاء الحكام. حتى اليوم، يستغرب الكثيرون كيف هان على البعثيين ما لاقوا من تشريد و سجن و تعذيب في ظل نظام ولد الطايع إلى درجة أن البعثيين بمدهم يد الإنقاذ للدولة و الشعب الموريتانيين في أحداث ١٩٨٩، كانوا أيضا منقذين لنظام ولد الطايع نفسه!. رغم ذلك، ظل معاوية يقرب التيارات الأخرى على البعثيين و يتوجس منهم خيفة. و ظل ولد عبد العزيز ينظر إليهم بعبعا؛ و لا يظهر أن ولد الغزواني شذ عن هذه البعثفوبيا. و السبب هو أن البعثيين لا يعلون الصراخ نهارا ضد أي النظام ليأكلوا معه ليلا على مائدته. و من لم يفعل هذا، فقد آذن بحرب من الأنظمة و جلب لنفسه الإبعاد و الجفاء. فمنطق الدولة / الفطيرة مستبد بأذهان الجميع،موالاة و معارضة. و لا يوجد سلوك أقسى على صاحب السلطة من الزهد في جاهه و منافعه، أي في الفطيرة التي بين يديه !
إن الدولة الفرنسية، إبان استعمارها لبلدنا، بكل عظمتها و جبروتها قد تداعت كلها على رجل موريتاني واحد هو الشيخ أحمد حماه الله رحمه الله لا لأمر فعله بها و إنما لشدة عزوفه عن جاهها و شدة زهده عن منافعها. فسجنته مرات و شردته مرات … و نفته مرات… عقابا له على عدم الرغبة في ما عندها. البعثيون اليوم هم ورثة ذلك الشيخ العظيم الذي لم يوف حقه، و كان عليه أن يكون منارة القيم التي يدرس عليها أبناء البلد، قيم العظمة و قيم النضال و قيم السمو عن فتات السلطة. فتصوروا لو أن عناوين نخبتنا تعاهدوا على عدم استجداء الحاكم أي منفعة و لا مزية مما عنده، فماذا بقي في يد هذا الحاكم مما يغري به و يرهب ؟ و حين تجمع كل هذه العناوين على الرغبة في ما عند الحاكم، و يتنافون له سرا و علانية تمحضا له، فإن من يتخلفون عن ” غزي لركاب ” هذا ، في سبيل الحظوة عند الحاكم ، يصبحون في عين الحاكم ألد أعدائه و أشرس حساده . هكذا، يصنف البعثيون بأنهم المعارضة الوحيدة لسلطة ولد الشيخ الغزواني ، و هكذا ربما ينظر هو نفسه إليهم. و هم على الحقيقة ليسوا معارضة و لا موالاة. كل ما هنالك، و الحال هذه، هو أن البعثيين لا يزاحمون عند أحواض الأنظمة و لا يسكتون على السير على ظهور الشعوب و هم يسمعون أنينها من قريب !
في العادة، يسكت السياسيون عن كشف اختلالات السلط و الأنظمة لأمور ثلاثة : أولها أن يكون النظام، بسياساته و برامجه الاقتصادية و الاجتماعية، في خدمة أغلبية الشعب حتى ولو كان النظام في توجهاته السياسية يصطدم مع المنهاج السياسي لحركة أو حزب بعينه، فإن هذه الحركة تؤثر الصمت حفاظا على خطابها الجماهيري. ثانيها، أن يسكت حزب سياسي عن بعض نواقص النظام، لأنه شريك، سرا أو علنا، في تصور السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و محترما في خطوطه الحمراء : في أفكاره و مواقفه المبدئية. ثالثها، هو سبب انتهازي، يتمثل في نشر عديد من الشخصيات المرجعية و الفاعليات الشبابية، من هذه الحركة السياسية، في مواقع متقدمة من السلطة تدر منافع مادية على أصحابها،فتسكت هذه الحركة، مناورة مؤقتة، لترقية شروط وجودها و لتحسين ظروف حياة مناضليها. فعلى أي سبب وجيه يسكت البعثيون عن هذا النظام، و لا عن أي نظام سابق أو لاحق عليه، ما لم يتحقق واحد من الدواعي أعلاه ؟
فلا السلطة الحالية نجحت في سياسات اقتصادية خففت من غلاء الأسعار، و لا هي أفلحت في وضع مشاريع امتصت نسبة من بطالة الشباب، و لا هي نزلت للشعب أسعار القوت بتنزيل الجمركة و خفض الضرائب… و لا هي بدلت الوجوه الكالحة للفاسدين و إنما تدورهم يوما بعد يوم و تبادل أفرادهم على خريطة مناصب الدولة الأساسية تبادل القطع على خريطة رقعة الشطرنج… و لا هي قربت خدمات الإدارة العمومية … و لا أصلحت واقع شركات الكهرباء و الماء من المواطنين; بل ساء وضعها و تفاقمت رداءتها… و لا هذه السلطة سلكت نهجا معنويا للشعب في احترام و تطبيق مواد دستوره دون انتقائية بما يعزيز صورة هويته الوطنية و يعيد له ثقته بنفسه؛ بل مكاسب شعبنا في هذا المجال تذروها الرياح في كل سانحة لرئيس الجمهورية و حاشيته، على المستوى الوطني و الدولي.
و من الزاوية المنفعية، لا توجد قوة سياسية ،من القوى التقليدية في مجتمعنا، تم إقصاؤها و تهميشها بطريقة مدروسة معنويا و سياسيا و حضورا في هياكل هذه السلطة، إلا البعثيون ! فبأي منطق يسكتون… أبحق المبادئ يسكتون عن آلام الشعب و صور معاناته.. أم بحق النضال العسير لرفاقهم عبر حقب الجمر يسكتون على دوس لغتهم و هوية شعبهم.. أم بمنطق البراكماتبة السياسية يسكتون على تهميشهم في بلدهم.. أم لأن بعض الآخرين تخاذلوا فليتخاذل البعثيون.. أو شبعوا فليتشبع البعثيون… أو لأن بعضا آخر في طور التحور ليصبح أغلبية النظام في المأمورية الثانية … فليسكت البعثيون !
ما معنى أن تكون موريتانيا دولة عربية؟
لا بد أولا من إثبات هُوية موريتانيا بالأدلة و البراهين العلمية و الثقافية و التاريخية الدامغة .. حتى لا يبقى شاك، و لتكون أيضا فرصةً لفضح محاولات الأطراف الشعوبية التى تسعى جاهدة، منذ أن تبلورت ملامح موريتانيا في ما يعتبر اليوم دولة بالمعايير الحديثة، إلى محاربة هذه الهوية. الأطراف إياها تعرف قبل غيرها حقيقة الانتماء العربي الأصيل لهذه البلاد لكنها تحاول الالتفاف عليه و طمسه بكل الطرق و الوسائل. لصالح من؟ لصالح المستعمر، بكل بساطة، عبر هذه الحملة المحمومة و كأن المسألة بالنسبة إليها مسألة حياة أو موت، لتمكين هذا المستعمر من نهب الموارد الهائلة التى يزخر بها البلد من جهة، و لضمان بقاء نفوذه فى هذه المنطقة الستراتيجية من جهة ثانية. القضاء على الهوية العربية لموريتانيا و سلخها عن محيطها العربي الطارد للاستعمار، و إلحاقها بالفضاء الغرب أفريقي الخاضع لسيطرته لمدة يراها طويلة، كلها فى صميم المشروع الاستعماري الفرنسي الذى بدأ مع غزو البلد مطلع القرن الماضي، و من ستراتيجيته المتعددة الأوجه.
لنعد إلى بسط البراهين و الأدلة العلمية على الانتماء الحضاري و الثقافي العربي للشعب الموريتاني أمام جوقة المشككين – و ليس توضيحا للواضح – نقول إن اللغة العربية المتشبعُ بها النسيجُ الثقافي، المتأصلةُ فى وجدان المجتمع، و دارجتَها الحسانية الأقربَ من جُل العاميات العربية إلى الفصحى، مع احتوائها نسبة من مفردات اللغات الموريتانية القديمة، اللغة العربية هذه كما العاطفة الأخوية الأصيلة، و الاحساس العفوي بالمصير المشترك، هي أبرز محددات انتماء هذا الشعب للعروبة. إن التاريخ القديم و المعاصر و تطابق العادات و التقاليد مع عادات و تقاليد الشعب العربي يشهدان لحقيقة أن هذه البلاد جزء لا يتجزأ من الأمة العربية .. لعامل الجغرافيا كذلك دوره المكمل لهذا التنافذ، حيث لا حاجز يفصل الفضاء الموريتاني عن الفضاء العربي، و لم ينقطع التواصل و لا التبادل التجاري و الأسري بينهما .. إلا فى عهد هذه الردة القومية التى خلقها الاستعمار، و الحدود المادية و المعنوية التى وضع تماشيا مع روح اتفاقية سايكس بيكو الظالمة الموقعة سنة 1926 و القاضية بتقسيم الأمة العربية … الواقع أن وشائج الأخوة مع عرب المغرب و المشرق أكثر مما أتينا به … لا نريد إفحام الشعوبيين على كل حال، بل نريد فضح نهجهم العدواني، و لنضع حدا لسؤال متكرر، عن حسن نية عند الناس العاديين، و عن خبث و سوء طوية عند عبيد الاستعمار المستلبين و الفرنكوفونيين المنبوذين، و السؤال هو : ما فائدة الانتماء العربي لموريتانيا التى ليست بلدا عربيا أصلا؟..
إن فائدة هذا الانتماء و ما سوف تجنيه موريتانيا إذا ما قُدر لها أن تتخلص من هذا المشروع الآثم هو :
أولا- على الصعيد العاطفي الإنساني المشروع هو حصول مزيد التحفزِ، و شحذُ إرادة التطور و البناء
ثانيا- ثقافيا و اجتماعيا، الرُّقيُ و اللحاقٌ بمراتب الأقطار العربية الأخرى.
ثالثا- اقتصاديا تتِمُ استفادةُ الأربع ملايين موريتاني من الفرص اللامتناهية التى تتوفر عليها الأمة العربية، و من التكامل الاقتصادي الذى يتيحه تنوع ثرواتها ..
هل يطمعُ بلدٌ هذه قدرته البشرية السكانية – أربعة ملايين نسمة لا غير – أن يحافظ على استقلاله فى وجه أطماع الوحوش الدولية التى تجذبها رائحة الخيرات الهائلة التى يزخر بها القطر، فضلا عن أن تصل به وضعيته المختلة إلى مصاف البلدان المتطورة؟.. ألا تدعو الواقعية و بُعد النظر و الروحُ الوطنية المجردة إلى السعيِ لربط البلاد الموريتانية بأقطار الأمة الأخرى؟ أليس هذا منهج البلدان التى لا تربطها روابط مع من تريد الاستفادة منهم؟ و ما ذا لو توفرت فيهم صفات كهذه؟
رداً على تساؤلنا المركزي الذى ورد فى العنوان ‘ما معنى أن تكون موريتانيا دولة عربية؟’ و كخلاصة لما سبق، نقول :
1- إنها تلبية لنداء الوجدان المشروع. أن يتشبث كل شعب بهويته .. و ليس ذلك خاصا بالشعب الموريتاني
2- الرفع من منسوب توْقِ هذا الشعب للحرية و المصالحة مع الذات، مما يدفعه للمزيد من البذل و التضحية
3- إنها طريق لمشاركة الشعب الموريتاني، حقوقا و واجبات، إلى جانب أشقائه العرب فى الشأن القومي و فى القضايا العربية العادلة.
4- الرفع من المستوى المادي و الاقتصادي للقطر.
هل يتعارض السعيُ لاسترجاع الشعب الموريتاني لهويته العربية مع نضاله و مطالبه الاجتماعية الحقوقية و الاقتصادية و الثقافية؟ ألم تكن الدعوة القومية العربية فى غير محلها، كما يقول المستهزئون، و بدل رفع شعارات الهوية و الانتماء و إهدار الطاقة فى قضايا فلسطين و سوريا و العراق و غيرها من البلدان، علينا الاهتمام بالشأن الداخلي الموريتاني قبل هذه الدول الأجنبية الخ …
أسئلة نرد عليها بالآتي
– أولا لا نعتبر البلدان العربية أجنبية على الموريتانيين، بدليل تفاعلهم التلقائي مع كل حدث يحدث فى هذه الأقطار.
– ثانيا لا نرى تعارضا بين المطالب على مستوى القطر و بين المطالب على الصعيد القومي. لقد أعطانا القطر العراقي فى أواخر القرن الماضي و بداية القرن الحالي نموذجا من التكامل بين القطري و القومي. تطورُ العراق فى الميادين كافة، و النهضةُ العمرانيةُ التى شهدَ تزامنَت مع الدفاع عن بيضة الوطن الكبير من خلال حرب الثمانى سنوات مع العدو الإيراني، و مع قصف العدو الصهيوني بالصواريخ. صحيح أن حزب البعث ذى النهج الثوري و القومي فى آن هو الذى كان وراء هذه الستراتيجية. ما جرى بعد ذلك كان بوضوح معاقبة لهذه “الجرأة” و إمعانا فى القطرية ليظل كل بلد مشغولا بقضاياه المحلية، باعتبار كل عمل قومي خروجا على هذه المشاكل المحلية … الذى يتضح من هذا كله، باختصار، هو أن لا تعارض بين النضال القطري و النضال القومي، بل تكامل و تفاعل.
هل من حاجة فى الأخير إلى القول بأن لن يكون امتلاك موريتانيا من جديد لهويتها العربية، لن يكون على حساب مكونتها الأفريقية المَصونةِ فى كل الأحوال هُويتُها و حقوقها الثقافية و اللغوية و التى ستستفيد مثل الشعب الموريتاني كله من أي تطور للبلد .
أحداث مالي لا ينبغي أن تقرأ دون توجيه اتهام إلى فرنسا..
منذ قاد العقيد أسيمي كويتا انقلابه الأخير باشر في التضييق على المصالح الفرنسية مما ” أساء ” إلى العلاقة بينهما، وذلك لا محالة يعود إلى اعتقاده بأن فرنسا لن تدعمه.
فرنسا لن تبق مكتوفة الأيدي وهي تشاهد مواطنا ماليا يتصرف خارج وصايتها، خاصة إذا كان قد ارتبط بعلاقة مع دولة لا تتقاسم المذهب الإيديولوجي معها (روسيا مثلا) وتريد التوسع على حسابها في مستعمراتها التاريخية.
العقيد كويتا قد يكون، كما عودنا العسكريون، بعيدا عن توفير وسائل البناء للدولة طبقا لما تتطلبه قيم الديمقراطية. وقد يكون نشازا من تلك المسلمة ويكون تمرده هو على تردي الأوضاع في بلده وليس مجرد البحث عن السلطة.
وبين التسليم بانتماء كويتا للقاعدة النفعية وفتح احتمال تمرده على سوء أوضاع بلاده لا ينبغي أن تغيب عن أي متابع للسياسة الدولية سياسة فرنسا الرافضة لتقدم أي بلد كانت تستعمره وإدراك أن أي شخص وضعته في القائمة المحظورة يحتمل جدا أن يكون أحسن نية تجاه وطنه ومصلحة شعبه من ذلك الذي تحيطه باسوار الولاء. كما يجب إدراك أن فرنسا يتساوى عندها القائد الوطني والقائد اللا وطني مابقي على خدمة مصالحها وخدمة مصالح فرنسا
تعني ،بعامل التجربة، إبقاء الشعب الذي يوفر قادته تلك المصالح في ذيل الشعوب.
قبل أيام تعرض مواطنون موريتانيون وأصحاب جنسيات أخرى، لم تتضح بعد هوياتهم، لجريمة قتل بشعة لا تزال خيوطها غير واضحة.
الرواية المتداولة تقول إن دورية من الجيش المالي هي التي ارتكبت هذه الجريمة والجيش المالي لم ينف ذلك قطعا ولم يؤكده والتزم بأنه سيباشر التحقيق في ملابسات القضية.
اما الرواية الاستقرائية والتي من ضمنها تصورنا هذا ترى أنه وحتى إن كانت دورية من الجيش المالي هي التي نفذت هذه العملية فإن تلك الدورية تقف وراءها فرنسا سعيا لإشعال أزمة بين موريتانيا ومالي للضغط على العقيد كويتا خاصة أنه أصبح محاصرا من الجنوب والجنوب الشرقي ولم يعد بإمكانه أن يستفيد من نقل احتياجات الشعب إلا من الشمال والشمال الشرقي عبر الموانئ والطرق الموريتانية والجزائرية.
وختاما يجب على الحكومة والشعب الموريتاني أن يتحلوا بالصبر حيال صدمة مقتل أبنائهم حتى تتضح الصورة لئلا يشكلوا فتيلا تغلظ به فرنسا رزمة ضغطها على رجل لا يستحيل أن تشكل جهوده بداية للتخلص من الهيمنة الاستعمارية غير المباشرة وهو في أسوأ الأحوال قد يكون انقلابيا يسعى للاستئثار بالسلطة وهذا ليس وحيدا فيه بل هو طابع كل زعماء القارة بمن فيهم أولئك الذي يحاصرونه بدعاية تمكين الديمقراطية.
أنقذوا دولة مالي.. فهي بمثابة الخفير للقارة الإفريقية!!
الدولة المالية، اليوم، تلعب دور الخفير أو الحارس الراصد الأمني لصالح الشعوب التي وقعت تحت بلوى الاستعمار الفرنسي في إفريقيا قبل أكثر من قرن من الزمن. و الراصد الأمني أو صاحب الخفارة هو شخص يوضع في مكان مرتفع و متميز يمكنه من رصد و ملاحظة كل جسم متحرك في نطاق المجال الأمني الذي يراقبه حتى لا يفاجئ العدو زملاءه بالهجوم. و هذا الشخص يكون في أخطر مكان و غالبا ما تتم تصفيته أو وقوعه بالأسر بطريقة سرية.فإما قتله بسلاح كاتم للصوت.. و إما أسره بتسلل أفراد مدربين على ذلك حتى لا ينتبه زملاؤه في وقت مناسب. ذات الخطر تتعرض له وحدة الاستطلاع على العدو حيث تقع غالبا في كمائن محكمة فيقتل أفرادها جميعا؛ و تكون بذلك أولى ضحايا الحرب. هذا الدور بالضبط يقوم به الشعب المالي لصالح الشعوب الإفريقية التي كانت مستعمرة من فرنسا.و فرنسا تريد تصفية الشعب المالي عبر تصفية قادته و قياداته الشعبية التي دائما ما تنفجر ضد الهيمنة الفرنسية على بلدهم. و تريد فرنسا أن تقتل الشعب المالي بطريقة ناعمة عن طريق حصار مميت يطبقه أبناء القارة الإفريقية عليه، و لا تظهر فرنسا و حلفاؤها الأوروبيون إلا بعيدا عن الصورة البشعة لأفعالهم الإجرامية. و قد راكمت فرنسا خبرة هائلة في سرقة شعوب هذه القارة و نهب ثرواتها و التآمر عليها. و في كل مرة كان أحد هذه الشعوب يثور أو يتمرد على هذا الواقع المهين، كانت فرنسا تحرك أدواتها و وكلائها في المنطقة ، كما تعبئ إلى جانبها حلفاءها الغربيين للتنكيل بالقوى الثورية و تصفية قادتها جسديا… أو قتلهم بأبشع صورة في سجون فرنسية بحراسة إفريقية و على القارة الإفريقية. و مع أن الشعوب الإفريقية ضاقت ذرعا بهذا الواقع المهين و المشين ، فإن فرنسا لم يظهر في وسعها التخلي عن نهب إفريقيا و ترك رفاهية شعبها و حضورها الدولي على حساب حياة شعوب هذه القارة و تنويمها على أسرة البؤس و عدم الاستقرار و المعاناة المؤبدة. على ذلك، فإن دولة مالي و شعبها يلعبان خلال هذه الأيام دور الراصد للمارسات الفرنسية السيئة ضد شعوب القارة الإفريقية. و يتوقع، في أي لحظة، أن يخترق جسد هذا الراصد الرصاص من سلاح كاتم للصوت ينهي روحه المعنوية المتوثبة التي يثبت التاريخ، حقبة بعد حقبة، أنها عصية على فرنسا و أدواتها في الإقليم. و ينبغي، بل يجب على الشعوب الإفريقية أن تلتحم مع الشعب المالي و لا تتركه تتفرد به فرنسا و وكلاؤها من حكام إفريقيا في الإيكواس و من خارج الإيكواس، كما لا يترك الجيش أن ينفرد العدو بعناصر رصده و بوحداته الاستطلاعية. إلى ذلك، فإنه يتوجب التذكير بأن ما حدث من قلب للأنظمة في دول غينيا و مالي و بوركينافاسو على أيدي ضباط صغار كان حزبنا قد حذر منه في بيانه يوم عيد الفطر الماضي؛ و كنا مدركين أن الفساد السياسي و الاقتصادي و الإداري و حتى داخل المؤسسات العسكرية في بعض الدول الأفريقية سيدفع بالخط الثالث من الضباط، متشجعا بسخط الشعوب و تدهور أوضاعها و تمنع الأنظمة عن التغيير و تمسكها بمنظومات الفساد و رموزها، لقلب كثير من أنظمة هذه الدول. و كما حذرنا من قبل، فإننا نحذر من جديد من أن إحدى الدول المجاورة للدولة المالية مرشحة قريبا لقلب نظامها بطريقة غير دستورية على صورة ما حدث في بوركنافاسو، ما لم تتدارك سلطاتها الأوضاع بالشروع في تغيير فعلي و تفعيل جدي لقوى الضمير الوطني.
مايهم الفقراء
النوعية الوزن السعر
01 أرز محلي كغ 350
02 أرز أجنبي 600
03 زيت ل 800
04 سكر كغ 350
05 حليب (سليا) كغ 1200
06حليب(روز) 300
07 حليب(قلوريا) 130
08ألبان وطنية 300
09بصل كغ 300
10بطاطا 300
11 طماطم 300
12 جزر 300
13 مكرونة(مدينة) 350
14 مكرونة (أطلس) 400
15لحم غنم 2500
16 لحم إبل 2000
17 لحم عجل 2000
18 دجاج 1200
19سمك( انكط) 1800
20 سمك (كيبارو) 1000
21 سمك (ياي بوي) 1900
صابون صغير 90
لنحلم قليلا ..!!
موريتانيا سنة 2040.
بلد مزدهر، بالمقاييس الاقتصادية و بمقياس السعادة الفردية و المجتمعية. بلد تعافى من أمراض القبلية و الجهوية و الفئوية (الشرائح، الإثنيات، القوميات الضيقة العنصرية …). القبائل لم تزُل لكنها أصبحت تتنافس التنافس الشريف الإجابي و تلعب دورها التقليدي بحرية لكن بعيدا عن التداخل مع صلاحيات الدولة. الدولة التى أصبحت هي الأخرى تقوم بمسؤوليتها كاملة، أي التكفل بكل حاجيات المواطن، بطريقة عفوية و سلسة. و على رأس هذه الحاجيات الحرية و العدالة و المساواة. دولة قد اكتملت استقلالها بانتزاعها سيادتها الثقافية و اللغوية بعد نضال شاق و طويل و مواجهة مرهقة مع الفرنكوفونية و اللغة الفرنسية و طابورها المحلي المزوَّد بدعم
لا محدود من الدولة الفرنسية. لقد استرجعت اللغة العربية حقها و تبوأت المكانة اللائقة بها و أصبح معمولا بها فى جميع مفاصل الدولة بعد عقود من التهميش و الازدراء من طرف الأنظمة المتعاقبة التابعة للمستعمر رغم الاستقلال الناقص الذى أعلن عنه سنة 1960. كما أصبح من الماضي ذلك التشويه الخطير الذى كاد أن يقضى على الدارجة العربية الحسانية بسبب تغلغل المفردات الفرنسية المكسرة و يحولها إلى مسخ هجين أطلق عليه استهجانا و سخرية جنود التعريب آنذاك نبز “العرنسية”. كان من انعكاسات تمكين اللغة العربية أن عادت الحسانية إلى نصاعتها و قربها من الفصحى و انصقلت من أدران الرطانة و تهذبت فى مصطلحاتها حتى لا تكاد تفرق بينهما.
لا غرابة و الأمور على هذه الحال من التنعُمِ و الاتزان أن ترسل الدولة الجديدة للخارج صورة مشرقة على أساس من الانفتاح و الثقة فى النفس فى آن. مما يفرض احترام الأصدقاء و الخصوم على حد سواء.
ساعد على هذه الحالة، بعد سنوات من التخلف المركب و البؤس و ضياع الهوية، انخراط القطر فى اتحاد المغرب العربي الذى زالت فيه الحدود و التأشيرات و بلغ فيه التكامل و التبادل أوْجَه فى المجالات كلها، و تناوب على قيادته حكام منتخبون، تحت القيادة المركزية الانتقالية للنظام العربي الموحد الجديد. هذا النظام تقرر ليكون حلقة وصل على طريق المشروع العربي الاندماجي المتوقع إنجازه خلال السنوات القليلة القادمة. لتصبح عقود من التجزئة و ما صاحبها من تخلف و آلام و ضياع و احتلال أجنبي، لتصبح هذه المآسي ذكريات مُرة من الماضى. النظام الانتقالي العربي هذا يبشر بمستقبل جد مثير. كيف لا و الوطن العربي سيكون الثانى عالميا من حيث المساحة (14 مليون كيلومتر مربع) بعد روسيا و عدد سكانه نصف مليار نسمة، و موارده الطبيعية تفوق موارد غالبية بلدان العالم .. و سيفرض بالتالي نفسه كلاعب أساسي على المسرح الدولي و فى الأمم المتحدة.
لقد تغير العالم كذلك من حول أمتنا العربية. خاصة العالم الإسلامي الذى أصبح أغلب أقطاره تحت قيادات رشيدة منتخبة ديموقراطيا و متحررة من التبعية و الولاء للإمبريالية كما كانت فى العقود الماضية، و جاهزة للعب دور حاسم فى مسيرة البشرية بقيادة أمتنا العربية، التى قد سبق لها أن قامت بدور مماثل عبر التاريخ ..
على صعيد القارة الأفريقية تمت تصفية الوجود الاستعماري، و انتَخَبت الشعوب الافريقية حكومات بلدانها ديموقراطيا، و اكتشف عديدها فوائد الوحدة و الاندماج فى ما بينها، تعزيزا لدور الاتحاد الافريقي الذى أصبح هو الآخر متحررا من النفوذ الاستعماري. و اكتشفت كذلك فوائد الحكامة الرشيدة حيث تولت تسيير أمورها بنفسها واضعة حدا للفساد بأشكاله و للتبعية ذات الصبغة الاستعمارية للغرب التى شلت نموها لعقود طويلة من الزمن ..
أليست هذه إذن أحلام واقعية قريبة التحقق ؟
الفرق بين البعث.. و حزب البعث (ح4) !!
كان القائد المؤسس يدرك ،منذ البدء، أن الحركات التي تنشأ في مجتمع ما ،إما أن تكون سطحية وقتية ، و إما أن تكون جدية أصيلة. و كلا النوعين لا بد أن يتأثر بظروف المكان و الزمان المحيطة به. و لكن نوعية هذا التأثر (…) هي التي تعين نوع الحركة .فإذا كان تأثر الحركة منفعلا سلبيا استنفد كل امكانياتها و قواها حتى تغرق في ظروفها. و عددناها من الحركات السطحية الآنية العابرة ،و إذا استطاعت الحركة أن تتأثر بالظروف المحيطة بها دون أن تغرق فيها؛ بل تحتفظ بالسيطرة عليها لتوجهها كانت من الحركات الجدية الأصيلة.
و في عام ١٩٥٠ ،كتب المزيد عن شروط هذه الحركة بالقول :” إنني أستطيع تعريفها بأنها الحركة التي تسطيع أن تسيطر على الظروف؛ و هذا يعني أن كل ما يجري في بلاد العرب ، و كل ما ينشأ فيها و يظهر و يعمل من أحزاب و تكتلات و قوى سياسية تتصف بالصفة المعاكسة تماما ، و هي أنها كلها خاضعة للظروف و الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية و النفسية. فالمشكلة بالنسبة للعرب هي أن يتمثل نزوعهم إلى الحياة و التخلص من هذه الأوضاع في حركة تستطيع أن تسيطر على الظروف التي فشلت كل الحركات و الجهود الأخرى في السيطرة عليها ، فأصبحت مقوية للفساد و مدعمة له.لا لأنها في الأصل فاسدة أو ترغب في الفساد ، بل لأن بعضها لم يعد العدة الكافية لكي يسيطر على الظروف.. و أن تكون من الناحية الفكرية في مستوى القضية التي تحاول حملها. و هذا يعني أن التفكير التي تبنى عليه هذه الحركة يجب أن يكون تفكيرا عربيا (…)و أن يعالج جميع المشاكل الأساسية التي تتعلق بحياة العرب و الشعب العربي “. كما اشترط صفة الأخلاقية في هذه الحركة. لذلك عبر عن هذه الفكرة الدافعة الأولى ، و هذا التيار النفسي القوي ، هذه المغالبة التي لا بد منها و لا يفهم بعث للأمة بدونها. ذلك هو مفهوم الانقلابية الذي ركز عليه القائد المؤسس كثيرا ، و ” لن يحققه البعثيون وحدهم؛ فهم ليسوا إلا الطليعة التي ترشد الأكثرية من الشعب نفسه. و هذه الطليعة التي يجب أن تعد عشرات الألوف لكي تضمن تحقيق هذا الانقلاب. و قانونها هو أن تنظر إلى الحياة نظرة جديدة ،مختصرة، قوية، أي أن تتحرر من كثير الأثقال التي يحملها أفراد مجتمعنا المريض : أثقال التعلق بالمادة، و الاعتبارات المعنوية الزائفة، و الأنانية و المنفعة الخاصة ؛ و أن تصبح هذه الطليعة خفيفة في نفسها ،متحررة من القيود غير عائبة بالمنافع و أسباب اللذة و الراحة ، خفيفة أيضا في أسلوب عملها. هكذا، بمواصفات هذه الحركة و بهذه الشروط، سيمضي الشعب العربي في نضاله التحرري التاريخي، سالكا الطريق الذي اختطته الحياة لكل عمل صادق أصيل: طريق الانبعاث من الداخل لتتكون النفوس قبل الوسائل، و العزائم قبل الأسلحة، و التيار الحي الذي يخترق روح الأمة، و يكشف عن كوامنها و يلامس حريتها في عمق جذورها … ( يتواصل )
واقع التعليم في موريتانيا قد يخلق أزمة تهدد النظام الحالي.
على مر مراحل الدولة الوطنية، ظل التعليم في موريتانيا يعامل كطاع ثانوي؛ ولم يعرف الاهتمام به كخدمة لازمة وضرورية للمجتمع على غرار الشعوب التي تسعى نحو التقدم حتى الآن.
ولا شك أن نتائج هذه المعاملة تبدو جلية من خلال ما يشهده المجتمع من تدني المستويات المعرفية قياسا بشعوب أخرى حتى منهم تلك التي أقل من مجتمعنا مقومات اقتصادية ومنهم دونه على مستوى التصنيف التاريخي والحضاري.
وعلى الرغم مما عرفه التعليم خلال عقدي القرن العشرين الأخيرين من الازدراء وقلة العناية ؛ إلا أن ما عرفه، ابتداء من 2009 وإلى اليوم، فاق كل ذلك بكثير، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما طرأ على الظروف العامة من تطور جراء تصاعد النزعة المادية وتحكمها في عقليات المجتمع، في وقت لم تراع الدولة ظروف المدرسين وما ينتابهم من مشاكل عائدة إلى تلك النزعة الاستهلاكية المفرطة في أوساطهم الاجتماعية.
لقد أصبح المدرس يشعر بمرارة مؤداها تردي وضعه المالي، قد تدفعه إلى القيام بردة فعل تخلق للنظام الحالي أزمة لن تكون كغيرها؛ واحتمال ردة الفعل هذه سيكون بين أحد أمرين: إما أن يعلن المدرسون استقالات جماعية ويتركوا الدولة في ورطة لا تعرف مدى انعكاسها، وإما أن يحجموا عن التدريس دون إعلان الاستقالة ويتركوها في وضع حرج إن هي أعلنت تجريدهم ستتعرض لمواجهة المجتمع ممثلا في عائلات المدرسين وإن هي تركتهم ستتعرض لمواجهته ممثلا في عائلات التلاميذ.
ويبدو أن النظام توصل، من خلال عيونه، إلى هذه الفرضية فأعلن اكتتابا هو الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد، ظاهره سد النقص الحاصل من المدرسين وباطنه العمل على ملء الفراغ المحتمل في حال ما إذا عصفت به الاستقالات. غير أن النظام هنا لم يضع في الحسبان إشكالا آخر وهو إمكانية اتباع المكتتبين الجدد خطى المدرسين التي استغنى النظام عنهم عندما يصطدمون بهذا الواقع وينظرون إلى أقرانهم في المجتمع بمن فيهم أولئك الذين استقالوا وحلوا هم في محلهم، هل سيكتتب وقتها خلقا آخر لتعويض المستقيلين الجدد – المكتتبين حديثا، أيضا . أم أنه سيجبر على على تحقيق المطالب التي ظل يرفضها لأصحاب الكفاءة والخبرة التجريبية ؟
ولنفترض أن المدرسين الحاليين لم يستقيلوا و أن الاكتتاب الجديد ليس الهدف منه سد النقص الحاصل، فماذا سيفعل النظام بهذا الكم من الموظفين الذين اكتتبهم لا لحاجة إليهم وإنما للاستغناء بهم عن خدمات آخرين؟
وقد يتعزز هذا التصور أكثر عندما يتأكد للمدرسين أن الزيادة التي أعلنها وزير المالية منذ قرابة شهرين خلال إعلانه ميزانية 2022 تم التحايل عليها وكلفت لجنة (برلمانية) بإعلان ذلك الرفض من خلال رفضها الموافقة عليها،علما أن هذه اللجنة لن ترفض أي قرار أجاز رأس النظام المصادقة عليه.
فإذا كان النظام جادا في إصلاح التعليم، وفقا لما يعبر عنه، فعليه أن يصحح أوضاع المدرسين المالية كي يتفرغوا لإعداد المادة المقدمة للتلاميذ بما يساعد على فهمها؛ ذلك أن مشكلة المدرس اليوم لم تعد في كون ما يحصل عليه ليس كافيا لسد حاجياته اليومية الضرورية،وإنما لكونه بسبب ذلك أصبح مذموما في مجتمع طغت على تفكيره المادة حتى من داخل بيته الخاص ولن يعد يقبل بهذا الواقع المزري لأن الفراغ غدا أهون عليه من الارتهان لوظيفة التدريس التي لم تعد سوى قيد يكبل صاحبه عن الاستفادة من أعمال أخرى ليس رعي المواشي في الفيافي أقلها أهمية.