العدد 59 من مجلة الدرب العربي لشهر يناير 2022

لمن يشتكي ولد الغزواني رداءة أعوانه.. إلى الله ؟!
ما من نظام سياسي إلا و يكتسب، على ضعفه أو قوته، أتباعا ينساقون وراءه. إنها خاصية ثابتة من خصائص السلطة التي تحول قسما من الناس إلى تابعين ؛ بعضهم لا يدري بالتحديد دوافع تبعيته فهو يؤمن بشدة بأن الهرولة وراء صاحب السلطة أمر طبيعي لا يحتمل نقاشا؛ و بعضهم يجري خلف مصالحه و بعضهم يشترك ، بدرجة معينة في كتلة السلطة . هذا من جانب من لا يمتلكون السلطة كليا أوجزئيا . فما ذا عمن يمتلك السلطة كليا أو يحوز أكبر حصة منها ? يعتبر المحللون السياسيون ، في الواقع و عبر التاريخ، أن أي صاحب سلطة ، من سلطة الأسرة و حتى السلطة على الدولة، يمتلك قوتين : قوة احتكار القوة نفسها و استخدام العنف، من حين لآخر، على من في نطاق سلطته، لإعطاء مصداقية لتهديداته إزاء من يتجرؤون على مخالفة تعليماته و عصيانه. و قوة ثانية تكمن في استعداد الأتباع لتنفيذ الرغبات الضمنية ( غير المصرح بها ) حتى ولو اقتضت أعلى درجات القسوة، مثل القتل. يذكر المؤرخون ، في إطار تحليل القوة الضمنية ، أن الملك هنري الثاني ، في 1170، عبر ذات مرة عن غضب شديد تجاه ( توماس كيت ) فاعتبر أعوانه ذلك أمرا لهم بالتخلص منه، فقتلوه !
إذا كان صاحب السلطة يتمتع بهذه الدرجة من القوة التلقائية، فكيف نحلل سياسيا تشكي الرئيس ولد الغزواني المتواتر من رداءة وزرائه و سوء أدائهم في المهام التي أوكلها هو نفسه لهم دون اضطرار و لا إكراه? كيف يكون استثناء ممن بيدهم السلطة و قوتها القسرية و الضمنية ? و ما هي الفاتورة السياسية و الأمنية التي يخشاها ولد الغزواني من رموز الفساد الذين يعض عليهم بنواجذه و قواطعه ? و لما ذا اختارهم … و أمهلهم فلم يتخلص منهم بعد ما أقر هو شخصيا للرأي العام ، داخليا و خارجيا، بضعف أدائهم، إما لنقص الكفاية فيهم أو لتخريب نظامه و تشويه صورته أمام شعبه ? طبعا، الإجابة السياسية على هذه المفارقات ، التي تجري على لسان كل مواطن، تتطلب تحليلا يتتبع التأثيرات و النوازع الأكثر تأصلا ، التي ساهمت في تشكل شخصية الرئيس، من الطفولة و حتى توليه المسؤولية الأعظم. مع ذلك، يبقى الاستنتاج الأسرع للأذهان هو احتمال أن الرئيس تأكد أن قيمة المكاسب التي سيتحصل عليها من طرد المفسدين من مشهد نظامه ستكون أقل من مكاسبه التي تحصل عليها فعلا بالاحتفاظ بهم . يحصل هذا اليقين في إحدى حالتين : أن يكون الرئيس نفسه شريكا أساسيا في منظومة الفساد و اجتثاثه للمفسدين هو انكشاف له و تجريد لنفسه من عوامل قوته و حمايته. و الحالة الثانية أن يكون الفساد أصبح إديولوجية لنظام السلطة في البلد تستمد” شرعيتها ” منه بعد تحوله إلى قيمة مجتمعية محمودة على نطاق واسع في مجتمعنا . و ترتيبا على ذلك، فإن الرئيس هو نفسه سجينا و حلقة أضعف لا يقدر على المساس بالأمر الواقع ، و لا يملك إلا التشكي و الاعتراف للناس بما هو فيه من تكبيل، لعلهم يعذرونه في تصرفه كمن لا خيار له و لا بدائل في يده عن الفساد و المفسدين ، و لا تغيير لنهجه عن تمشية أمور الدولة و شأنها على هذا النحو المؤذي للجميع … و ليكن ما يكون !
و إلى الله الشكوى !
تهنئة بالسنة الجديدة.
بمناسبة السنة الجديدة 2022، يتقدم أفراد طاقم تحرير الدرب العربي بالتهانئ لرفاقهم في موريتانيا و في الوطن العربي و المهاجر، كما يهنئ شعوب العالم راجيين من الله أن تكون السنة الجديدة سنة سلام و وئام وازدهار و خلو من الأوبئة و الكوارث التي عانت منها الشعوب خلال السنتين الماضيتين.
التحرير.
الموريتانيون بين مطرقة كوفيد.. و سندان عصابة المائة .. !!
من ينصف الموريتانيين من العصابة ؟
يعيش الشعب الموريتاني أوضاعا صعابة للغاية؛ فعلى كل صعيد تلفت يواجه هذا الشعب المطحون صورا من المعاناة غير مسبوقة، و لا عون له عليها إلا تعوده على تحمل البؤس و الحرمان و الشقاء. فالأسعار تتصاعد على مدار الساعة بصورة جنونية و بطريقة فوضوية. فكل تاجر يرفع أسعار أقوات الناس كيف شاء و كل مستورد يستورد دون رقابة و لا متابعة. فالسلطة لا تكترث بتزوير الأدوية و لا بفساد الأغذية و لا بتسممها بالمبيدات المتجاوزة للمعايير العالمية، كما هو حاصل في مادة الشاي الأخضر المستهلك على نطاق واسع. و الأخطر أن بقية مواد الأغذية و المعلبات و المشروبات قد تكون أكثر تسمما و فسادا و إضرارا بالصحة العامة للمواطنين، مثل الأرز و القمح و الألبان و العصاير… و على صعيد الصحة، فالمستشفيات قليلة و متهالكة و الأطباء ما بين عديم الأهلية و عديم الإنسانية… و عديم الوطنية.و حيث يممت نحو التعليم، فكل شيء منهار … و كل شيء تجارة و بحث عن المال … و كل شيء رداءة و سوق لدفن الأخلاق و القيم: فالتعليم الخصوصي مجرد تبضع في أسوإ سوق بأقل عملة قيمة، و التعليم العمومي مصانع للجريمة و الانحراف بين أطفال الموريتانيين ! و على مستوى الإدارة و المرافق العمومية ، ثمة وحوش بصور بشر “يتنمرون” و ” يستكلبون ” على أي مواطن ضعيف تجرأ على طرق باب مرفق عمومي بحثا عن حق ضائع أو طلبا لمعاملة إدارية؛ لا سبيل إليهما إلا برشوة مغلظة بعد سيل من المواعيد الكاذبة و الزجر و الطرد .. أو بعد التوسل بتدخل من نافذ اكتسب نفوذه بمراكمة مسروقاته من أموال الموريتانيين خلال عقود.
و آخر ما تفتقت به عبقرية عصابة ” المائة ” من النخبة الفاسدة في الاتحاد من أجل ” الجمهورية ” كان تضليل الدهماء عبر إغرائهم بالإقراض من الوكالات المالية بالنسبة لمن سجلوا أسماءهم لحضور ” حشدها” المهين الإجرامي في المطار القديم ؛ حيث كدسوا آلاف الأبرياء ، في مربعات” كل منها تابعة لأحد أفراد العصابة المجرمة ، كما يفعل تجار الأغنام بأكباش “الحوضين ” في أسواق الماشية وأمام ساحات المسالخ بالعاصمة، انتظارا لبيعها قبل مواسم الأعياد ! فيما يتفشى متحور كوفيد أومكرون ” و الحميات الفيروسية في هذا الشعب مهدور الإنسانية ، و حيث تكتظ المستشفيات و النقاط الصحية بآلاف المرضى من الموريتانيين جراء هذه الجوائح … فيما يتباهى أفراد العصابة على منصات التواصل الاجتماعي بقدراتهم على تحويل الموريتانيين التائهين إلى قطعان ماشية في سبيل ” إنجاح ” مهرجانهم، لا بارك الله فيه و لا فيهم …
ما الذى يجرى لبلدنا ؟؟!!
من شاهد فى هذا اليوم المهرجان الذى نظمه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية و الذى تجشم عناء التنقل إليه آلاف النواكشوطيين، و قابل عينات عديدة من هؤلاء و ردودهم المختلفة على سؤالين هما “لماذا جئت؟ و ما استفدت منه؟”، يردون: لا أعرف جئنا فقط. أوقفوا أمامنا باصات فركبنا .. سمعنا أنهم سيناقشون ارتفاع الأسعار و أنهم سيخفضونها .. جئنا لتُصورنا التلفزة لعلنا نستفيد … عشرة آلاف تقاطروا على هذا “الشوْ” أو الاحتفال من كل المقطاعات، لكن ليس عن انضباط حزبي ولا عن قناعة و لا عن ضرورة مادية أو معنوية. أتوا فقط … من رأى هذا المشهد و اطلع على هذه الردود السرريالية لا بد أن تتولد فى ذهنه أسئلة لا قِبَل و لا أمل له فى الحصول على إجابة معقولة عليها.
إذا أراد المرء “العادي”، أي الناجي بأعجوبة من الجنون الجماعي، تحليل هذا الجنون سيلاحظ أنه يشمل البلد أفقيا، و يشمل ثقافته و تركيزه النفسي عاموديا .. سيتساءل عن السر الذى وراء هذا التحول الصاروخي فى المنظومة الذهنية للمجتمع في الثقافة، القيم، العادات .. حتى الدين، الذى كان المنظم بحق و بلا منازع لكل حركات و سكنات هذا المجتمع، قد تحول إلى كومة من المتناقضات!
مُدوّنٌ يُسيء لأقدس المقدسات، الرسول الأعظم (ص) ؛ فتتزلزل الأرض و حُق لها .. يُحكم عليه بالردة و الجميع يترقب تنفيذ حكم الإعدام .. فإذا بالمسيء قد أفلت من حد القتل وصار يرفل فى نعيم ” الحرية” و يتبجح و يتحدى الجميع. لقد تلقفته قوة معادية للإسلام لما رأت تهافت و وهن الجهات المسؤولة .. و المسيئ الآخر قبل ذلك الذى أقام محرقة للكتب الفقهية التى ترعرع و شب وشاب المجتمع على إيقاعها .. تقوم القيامة و يصل اللعن و التهديد عناء السماء .. و فجأة يتحول المجرم إلى بطل و زعيم سياسي و “مناضل حقوقي” تتنافس الأوساط باختلافها على استقباله، حتى التى بنت مجدها على تعاليم تلك الكتب الفقهية !!.. كما أصبح يخطط لرئاسة البلد – و لم لا؟ – و يحصد المرتبة الثانية فى الانتخابات الرئاسية ! و الكل يغض الطرف عن المصدر الذى أتت منه تلك الأصوات، هل من داخل البلد أم من خارجه، و لا عن كيفية التصويت، هل صحيحة أم غير صحيحة. الرجل طلع رقم اثنين و هذا هو المهم. كما لم يتململ أحد من طغيان نفوذ الرجل المذكور فى الدوائر الحاكمة بعدما أحرز هذا النصر المبين. نفوذ متعدد الأوجه أبرزه ما يُمنحُ من وظائف لثلته و منظمة فلام العنصرية التى يعتبر من رجالاتها الكبار. تلك المنظمة ذات الأهداف الشيطانية العنصرية التى حملت فى يوم من الأيام السلاح ضد البلد و دبرت المحاولات الانقلابية العسكرية بنية تصفية المكون البظاني العربي جسديا؛ و الذى تسميه فى أدبياتها و نصوصها المؤسِسة العرب – البربر، عن طريق تنفيذ تطهير عرقي كلاسيكي ضمن مشروع دولة تحكمها إثنية على حطام و جثث غيرها .. منظمة لم تفتأ تثير الرعب فى الوسط العربي، و الغضب و التحدى فيه أيضا. كان مجرد ذكر فلام يثير الهستيريا فى هذه الأوساط. لقد لاذ رئيس فلام و قادتها بالإقامة فى السنغال و أوروبا و الولايات المتحدة خوفا من الاحتكاك بالمواطنين، و ليس من السلطات التى كانوا يأمنون مكرها فى الواقع؛ و سيظهر ذلك فى ما بعد عندما يتِم إعادة الاعتبار للقتلة الذين كان لتنظيمهم السياسي كذلك دور بارز فى التطهير العرقي الذى أقيم ضد الجالية الموريتانية فى السنغال في أحداث سنة 1989.. إعادة الاعتبار جرى من طرف جميع الحكام الذين جاؤوا بعد ذلك التاريخ، إجراء فى غاية الرمزية سيُتوج بلقاء زعيمهم صامبا تيام على أعلى المستويات و يٌبسط أمامه السجاد الأحمر !.. و يسمح لهم بالنشاط السياسي، دون أدنى اعتذار و لا تكفير عما اجترحوه من جرائم ، له ما للاحزاب الأخرى .. و كأن شيئا لم يكن .
على صعيد القيم و العادات يصاب (الناجى من الجنون الجماعي) أيضا بالدوار عندما يفكر بالتحول الذى أصاب المنظومة القيَّمية و الدينية العتيدة و كأنها انقلبت رأسا على عقب و دبت فيها الفوضى و الانفلاش الأخلاقي المتمثل فى انتشار ” المثلية” و الاغتصاب و النشل و القتل لأتفه الأسباب. هذا على الصعيد الشعبي، خاصة في أوساط الفئات المضطهدة و المحرومة تاريخيا من القدر الكافي و الرادع من التربية .. أما الطبقة المترفة – وليس كل ميسور الحال مترفا بالطبع – فقد ابتليت بالفساد بجميع أشكاله و تمظهراته بدءا بفساد المراهقين و انخراطهم فى المهلكات من مخدرات و عنف و إهدار للمال. المال الذى أصبح المعيار الوحيد المعتبر. و لم يعد الاعتبار الأول للعلم و لا للأخلاق و لا لأي شيء آخر.
كل هذا مصداقا، فى ما يبدو، لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الذى يبشر بعهد الرويبضة و تقلب القيم. زد على ذلك الدور التخريبي للعولمة و فوضى الاتصال الرقمي و ما يتيحانه من فرص إفساد الأخلاق و الثوابت الدينية.
الطامة الكبرى أن هذا “التسونامى” القِيَمي قد انسحب على المجال السياسي، و كان فيه أكثر فتكا. فقد تحطمت كل الأسوار و الضوابط و أصبح المال و المصلحة الضيقة هما اللذان يحددان سلوك الأفراد و الجماعات و الأحزاب و الموالاة و المعارضة و المدني و العسكري و الديني و العلماني و الغني و الفقير … و صارت السلطة لا تنفك عن هذا السياق الرهيب تصطبغ بصبغته و تتفاعل مع ميزان القوة فيه. أما السلطة الحالية فميزان القوى فيها فهو لصالح قوى معارضة الرئيس السابق التى كانت منضوية تحت
ما كان يعرف بمنتدى الديموقراطية و الوحدة، و قد ظهرت بصماته من خلال مجري ملف العشرية، الذي اتخذ مسار تصفية الحساب الشخصي على حساب جلاء الحقائق و استرداد المسروقات. كما تجلت ملامح قوى المنتدى، المعارض في ظل نظام عزير، في المزيد من التظاهر بالتمسك باللغة الفرنسية حد الوقاحة في حديث رئيس الدولة بهذه اللغة في حديثه مع المواطنين خلال زيارته لوادان و في خطابه بمناسبة تدشين جسر موريتانيا – السينغال .. لم يكن حكم ولد عبد العزيز، على كل سيئاته، بكل ذلك البعد من الاستلاب الحضاري الذي يتباهى به التيار النافذ فى هذا النظام.
الحد من هذا التدهورالدراماتيكي العام لا يمكن تصوره خارجا عن السلطة بأخذها مسؤوليتها بحزم و وضع سياسة صارمة و فعالة قادرة على مواجهة تيار عام تمتزج فيه العادات السيئة الجديدة التى مرَّ بنا ذكرها بالإرادات السياسوية الهوجاء و الأمراض الجديدة/القديمة من قبلية و جهوية و تفلتات عنصرية إثنية و شرائحية ضالة./.
لا تسمعوا لما نقول.. و تصرفوا بخلافه !
هكذا هو واقع الحال في من يستمع للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في خرجاته و دعواته إلى نبذ القبلية و الابتعاد عن التنابز بالألقاب و الأنساب. فالرئيس عندما يدعو إلى التعلق بقيم دولة المواطنة و القانون، فإنه في ذات الأيام يستقبل الحشود القبلية في حله و ترحاله داخل البلد ؛ و يستمع بخشوع لأناشيد القبيلة و مآثرها؛ و عندما يبدي رئيس الجمهورية اشمئزازه العلني من القيم البالية و التدافع فيها، فإنه يحرص أكثر ما يحرص على استقبال رموز القبائل و يعين أبناء الوجهاء و يرقي أحفاد و حفيدات الأشياخ و الشيوخ و المترجمين الكولونياليين بصورة توحي بأن البلد اقطاعية لهذه الفئة من المواطنين ؛ و كأن من لم ينحدروا من أسرة جاه و مشيخة و إمالزن في العهد الاستعماري البغيض ليس من حقهم التعيين و لا التوزير و لا الترقية؛ فهم مواطنون من درجة ثانية أو هم مجرد مقيمين في ابلد ! و الرئيس ، و أعوانه، حين يتحدثون عن وباء كورونا و سلالاته المتحورة التي تتفشى في أرجاء العالم محدثة بلبلة صحية في أكثر بلدان الدنيا تطورا و متسببة في أفدح الخسائر الاقتصادية و البشرية ، فإن الرئيس و أحزابه يقبلون على تحشيد آلاف الأبرياء ، باسم ماكينة النفاق و الشقاق، التي حشدت و حشرت لكل حاكم منذ تاريخ حزب الشعب في عهد أول رئيس للبلاد، مرورا بعهد هياكل تهذيب الجماهير في عهد هيداله، فعهد الحزب الجمهوري في نظام معاوية، فحزب عادل في الفترة العابرة لول الشيخ عبد الله ، فالاتحاد من أجل الجمهورية في ظل نظام ولد عبد العزيز … و هكذا تعددت الأسماء و البلوى واحدة : ” نخبة” قبلية فاسدة نصبت نفسها أداة تدمير و إعاقة لكل حداثة و تقدم و رقي في هذا البلد و وضعت نفسها بيد أي حاكم يتصرف بها كيف يشاء و أين يشاء و متى شاء على طريق إغراق البلاد أكثر فأكثر في وحل الرداءة و التفاهة … في دوامة تخبط و فشل تشغلها “شلة” لا نهاية لإيذائها؛ و باتت قدرا مقدورا و “صيغة سياسية ” ، لا يملك أحد القدرة على تجنبها و لا الانفكاك منها…
الحمى .. الداء المزمن !!!
تعرف بلادنا منذ عدة أسابيع انتشار حمايات غير مسبوق ؛ و تميزت هذه الحمايات بشدة التأثير و انعدام العلاج الطبي المصنف ؛ فغالبية هذه حمايات فيروسية كما قيل ، مما عقد و جود علاج محدد .
فقد أدت هذه الحمايات الى حالة من الضغط الشديد على القطاع الصحي ، زاد من تفاقم مشاكله التي لا يحسد عليها ، كما عانى المواطن من آثارها الشديدة؛ فهي شديدة العدوى، شديدة التأثير؛ حيث لا تترك صاحبها إلا في حالة من الضعف و الإعياء و الوهن الشديد ؛ فهي غالبا ما تنتشر في معظم أفراد الأسرة حتى لا تترك أحدا . ولا تزال هذه الحميات تواصل انتشارها حتى اليوم ، رغم ما اتخذت السلطات من تدابير ، مما يستجوب على السلطات العمل على خلق مراكز بحث متطورة للفيروسات و الأمراض المستوطنة و المعدية لمعرفة النوعية و تركيبها الجيني … الخ لتطويقها و إبعاد أثرها عن المواطن ، و ما يتطلب ذلك من تكوين طواقم طبية متخصصة في مختلف النوعيات التي تنتشر في البلد و شبه المنطقة حتى يكون بمقدورنا حماية أنفسنا .. و لن يتسن ذلك إلا بالتزامن مع وجود أطقم طبية خاصة و حريصة على حماية الوطن في كافة المنافذ الحدودية البرية و البحرية و الجوية و في كل المناطق الداخلية .. الخ لكي لا تتسرب العدوى من الخارج و لا يتفشي في الداخل ..
و مما هو معروف أن انتشار الحمى في بلا دنا غير جديد ؛ فنحن بلد تستوطن فيه الملاريا منذ زمن بعيد حيث تحصد الكثير من الأرواح سنويا من كافة الأعمار ، و في الأعوام الأخيرة دخلت عليها عدة حميات تعرف بخطورتها و فتكها بالأرواح مثل حمى الضنك و حمى واد الرفت ( الواد المتصدع ) …الخ.
إن هذا الوضع الوبائي يتطلب إجراءات فورية و يقظة دائمة ، و لن يتأت ذلك إلا بوجود أطقم مدربة و مراكز أبحاث متطورة كما أسلفنا من قبل .. غير ذلك، لا قدر الله ، سنجد أنفسنا عرضة للأمراض تنهش فينا ، و كل ينتظر دوره … و قد تكون هذه الحمى هي الأخيرة في حياته …
فهل يعقل نظام الحكم … و هل يتصرف بموجب ما يتراكم من بلاوي على شعبه?
مايهم الفقراء
النوعية الوزن السعر
أرز محلى كغ 350
أرز أجنبي 700
زيت ل 1000
سكر كغ 350
حليب(سليا) كغ 1200
حليب( روز ) 300
حليب (قلوريا) 150
ألبان وطنية 300
بصل كغ 400
بطاطا 400
طماطم 500
جزر 400
مكرونة(مدينة) 350
مكرونة (أطلس) 400
لحم غنم 2600
لحم إبل 2000
لحم عجل 2000
دجاج 1200
سمك (انكط) 1800
سمك(سق) 2000
سمك (ياي بوي) 1900
صابون صغير 90
بين البعث.. و حزب البعث !
ح(3)
إن تلمس البدايات الأولى للبعث كمشروع ثقافي ( و الحزب ) الذي تأسس لاحقا كأداة لتنفيذ هذا المشروع تكشف موقف القائد المؤسس من مسألة العلاقة بين الثقافة و السياسة ؛ تلك القضية التي لا يزال يدور حولها الجدل وسط المثقفين العرب ، خاصة أولئك الذين يحاولون الهرب من الالتزام بمدإ ثابت أو عقيدة محددة بحجة الحفاظ على حرية المثقف و استقلاليته. و كان المفهوم السائد للثقافة يقترن بالأدب و الفكر المجرد و الطابع النخبوي المثالي في النظرة إلى الحياة … كما أن الممارسة السياسية العربية و أحزابها التقليدية و ما يكتنفها من مصالح و أنانيات و ممارسات لا أخلاقية كانت تعزز هذا الميل للفصل بين الثقافة و السياسة. و يأتي القائد المؤسس ليقلب هذا المفهوم رأسا على عقب ؛ و يطرح معنى جديدا للعلاقة بين السياسة و الثقافة ، فاضحا الطايع الهروبي و التبريري المجرد للمفهوم السائد للثقافة العربية آنذاك. و يبدأ المؤسس معركته في عام 1943 بطرح السؤال : كيف يجب أن نفهم الثقافة ? و يجيب : ” هي أولا مشاركة في الجهد ؛ و ليست انفعالا و تكيفا… و ( أن ) على الشعب العربي أن يفهم الثقافة بأنها نوع من أنواع النضال : النضال مع النفس، النضال مع الفكر لكي يتعب في تحصيل المعرفة ؛ و لكي يجرؤ على تبديل الأسس السطحية في التفكير الشائع التي هي في داخله لكونه ابن وسطه؛ لكي يعيد النظر في كل الأمور الأساسية حتى يصل إلى النظرة الجديدة “. ” فالثقافة ليست شيئا جامدا يدخل على الرأس و يستقر و إنما هي حركة و حياة تتفاعل مع الشخص ، تؤثر فيه ، لها حاجات و مطالب و مستلزمات ؛ و لها وسط تنبت فيه و تتخذ معناها ؛ ( فهي ) تعبير عن حياة حقيقية. لهذا، فإن الجيل الجديد ، كما يرى المؤسس، يشترط وجود فهم معين للثقافة و نوع معين من المثقفين متحررين من وهم الثقافة الاصطلاحية ؛ ذلك لأننا لا نريد أن تبقى الثقافة غاية في نفسها ؛ بل وسيلة لتقويم الأخلاق و تنشئة مناضلين في سبيل البعث العربي. كما أن العقيدة لا تكتسب مبررها الوحيد ، و هو الحرية، إلا إذا استطاعت أن توازن و تعادل القوى الواقعية الفاسدة الراهنة ؛ و أكثر من ذلك أن تتفوق عليها و تنتصر. و لا يمكن أن تنتصر على القوى الفاسدة بالكلام (…) و إنما بالعمل الإيجابي. و لولا ذلك، ، كما يقول المؤسس :” لما جعلنا حزبنا منذ اليوم لتأسيسه حزبا سياسيا” . و يضيف :” ما زلت أذكر أن الكثيرين ممن كانوا يغارون على البعث أو يظهرون الغيرة عليه أخذوا يتساءلون عندما ظهر الحزب بالقول : لماذا اخترتم هذا الطريق و أنتم جماعة مثقفة خيرة ? لماذا لا تكونون حركة لنشر الفكر و التبشير ? بل ربما كان بعض الأعضاء الذين دخلوا الحركة في أول عهدها قد أخذوا بهذا الوهم أو الخطإ. و قد أجبنا المتسائلين بأن الصفة السياسية ، التي حرصنا على أن تكون أصيلة في الحزب منذ أول تأسيسه … هي امتحان لجديته و واقعيته ؛ و هي درء لشتى الأخطار التي تتعرض إليها الفئة المثقفة كالخيالية و المثالية و الجبن الذي يتستر بالمبادئ و فقدان الرجولة ” و لكل ذلك، جعلنا السياسة امتحانا للإيمان و المثالية”. كما يقول المؤسس” لم تكن السياسة غاية في أي حال من الأحوال” “لأن مصيرنا في هذا العصر يتعين و يتقرر بالفكر و النضال معا… إذ أن الميزة التي سمحت لهذا الحزب بأن يقوم بدور أساس في حياة شعبنا كان لأنه جمع الفكر و النضال” ” كما أن الثقافة يجب أن تكون سلاحا في يد الثورة … ” لأنها تنقل الثورة و تنقل الآمال و الأهداف الثورية من حيز العواطف و التمنيات المبهمة إلى درجة الوعي الواضح و المنظم و المخطط “. هذا الوعي الذي جعل القائد المؤسس يرفض أن يكون مجرد كاتب أو أديب أو فيلسوف ينتمي إلى النخبة الثقافية العربية التقليدية التي كانت منتشرة آنذاك… ( يتواصل )
الحصاد المر.. !!
بمناسبة تخليد الذكرى ال(61 ) لما يدعى الاستقلال الوطني، يجدر بنا أن نتوقف قليلا لننظر فى الحصيلة الإجمالية لهذه الفترة من الزمن فى مسيرة الدولة الموريتانية. لوضع هذا الحدث – الاستقلال – فى إطاره التاريخي الحقيقي، لا بد من التذكير بعجالة إلى أن أوضاع البلد كانت تشبه البلاد الأخرى قبل مجيئ الاستعمار الفرنسي و لا تختلف عنها فى شيء. كان يسيطر على البلد نظام تتوفر فيه جميع صفات الحكم السياسي الذى ينبنى على أساس من خصوصية المجتمع آنذاك: إمارات تبسط سلطتها على طول و عرض التراب الوطني، و تتكامل فيها السلطة الروحية مع السلطة الزمنية؛ و تتفاعل فيها المنظومة الدينية الراسخة ،التى قوامها الشورى ، و القضاء الإسلامي من جهة، و سلطة تنفيذية يمثلها الأمير و حاشيته و المنظومة العسكرية ككل، من جهة أخرى. يحكم الأمير فى الغالب بفتاوي العلماء الدينيين و بما كان يسمى “الجماعة” و هم الأعيان الذين كان يستشيرهم الأمير … بغض النظر عن السلبيات الموجودة داخل هذا النظام المتكامل، و هي كثيرة لاشك، و يكتنفها ظلم و تراتبية بين شرائح المجتمع، إلا أن التطور التاريخي لهذا النظام كان سيفضى – منطقيا – وقد شهد مثل ذلك في التاريخ فى بلدان أخرى- إلى مستوى أرقى من النظام الاستعماي و ذلك الذى جاء بعده.
بالرجوع إلى تخليد الذكرى الواحدة و الستين لمغادرة العساكر الفرنسيين، بالتزامن مع مَنحِ فرنسا لموريتانيا استقلالا اتضح فى ما بعد أنه لم يكن حقيقيا، بل استقلالا فوقيا مبتورا من بعديه الثقافي و الاقتصادي، معتمدا فقط على الرموز التى هي العلم و النشيد الوطني و الجيش و المؤسسات و التمثيل الخارجي … لكن الهيمنة الثقافية بقيت ببقاء اللغة الفرنسية؛ بل تعززت بالنمو الطفيلي السريع لطبقة من الفرنكوفونيين المستلبين و بجو ارتباط هذه الطبقة العاطفي و انبهارها بثقافة المستعمر. و من سوء حظ البلاد أن كافة الحكام الذين حكموها هم من هذه الأنتليجانسيا المشؤومة. بالمقابل، فإن جماهير الشعب ظلت متشبثة بثقافتها الأصلية و لغتها العربية و محاظرها الإسلامية، بعيدا عن ثقافة المستعمر الدخيلة، تاركة الطبقة المسلوبة فى عزلتها .. هذا التمنع الثقافي و الثقة فى الثوابت هما اللذان أديا فى الماضى إلى المقاطعة الفريدة من نوعها فى تاريخ الشعوب للغة و لثقافة المستعمرين الغزاة .. و إن كان حكم “الآباء المؤسسين” قد فرض على مقاومة الاحتلال ككل، بما فيها هذا الجانب الثقافي، حصارا و تعتيما سياسيا و إعلاميا لمحوها من الذاكرة، لكن هيهات .. إن استحالة اختراق الثقافة المحلية من طرف المحتل و تمزيقها كما حدث فى بلدان أخرى ابتُلِيتْ بالغزو الاستعماري الفرنسي، استحالة الاختراق هذه ، هي كذلك الأمل الوحيد للشعب الموريتاني فى تحقيق استقلال مكتمل الأركان ..
أما البعد الاقتصادي للهيمنة الفرنسية المزمنة ، فيتجلى فى حالة البؤس و التخلف التى يتخبط فيها بلدنا لأكثر من ستين عاما بعد خرجة “الاستقلال” غير الموفقة. بلد يتخبط فى التخلف بجميع أشكاله من جوع و مرض و جهل، ثالوث تجاوزته ،كلا أو جزئيا، البلدان التى اشتركنا معها فى كارثة الاستعمار الفرنسي؛ رغم وفرة و تنوع الموارد الطبيعية التى تزخر بها هذه الأرض المترامية الأطراف لكنها اي الموارد عرضة على الدوام للنهب بجميع أصنافه من طرف فرنسا و أخواتها الأوروبيات . البلد يستورد كل شيء، من الإبرة إلى الطائرة، و لا يصنع أي شىء .. أين الاستقلال فى هذه الظروف؟ أين السيادة؟ المراقبون يذهبون فى الإجابة على هذه الأسئلة و فى الحالة التى ذكرنا فى الاتجاهات كافة، لكن القليلين هم الذين يهتدون إلى السر الحقيقي فى تخلف هذا البلد و عدم انطلاقه. السبب بكل بساطة هو أن الأسس التى بُني عليها لم تكن سليمة؛ بل كانت تحمل فى طياتها بذور الفشل المزمن الذى نعيشه. بدل أن يترك يتطور تطورا طبيعيا ربما يفضى كما أسلفنا إلى كيان أرقى، فإذا بالغزو الأجنبي الفرنسي يشوش على هذا المسار و يحرِّف التجاهه دون أن يجعل لرسالته الحضارية المزعومة مضمونا و لو منقوص الفائدة، كما فعل فى السنغال مثلا أو الجزائر. النتيجة كانت ولادة كيان مصطنع فاقد للمقومات الأساسية و أولها الهوية حيث كان الفضاء الذى يُدعى اليوم موريتانيا و سماه الفرنسيون قبل ذلك (تراب البظان) يتصل جغرافيا بامتداده المغاربي حيث تجوب القوافل ذهابا و إيابا من أقصى الحوض الشرقي و كافة الاقاليم الموريتانية إلى واد نون بالمغرب الأقصى و إلى جنوب الجزائر، لا تعرف حدودا و لا جواز سفر .. أما معنويا و ثقافيا و سياسيا حتى، فكان التواصل أيضا، الذى تمثله الأسر المشتركة و المشاعر المتبادلة حيث لا يحدث حدث، مفرح أو غير ذلك، إلا كان له صدى فى هذه الأقاليم .. انطلاقا من هذه المعطيات كلها ، كان يمكن للاستعمار، و الذين جاؤوا بعده ، البناء على هذا التواصل و تكون موريتانيا جزءا من الفضاء المغاربي إما اندماجا أو بصغة أخرى فى المغرب أو الجزائر، و لاحقا فى المغرب العربي الموحد تحت سلطة مغاربية واحدة. على افتراض تحقق هذا السيناريو، لم تكن للنظام الذى أتى بعد مغادرة العساكر الاستعمارية حاجة فى البقاء على حبل المشيمة مع فرنسا المتمثل فى لغتها و ثقافتها، و سيكون الاستقلال عنها حقيقيا؛ على الأقل فى حدود استقلالية الأقطار المغاربية عنها، و ذلك فى كل الأحوال أفضل من الارتهان الكلي الثقافي و الاقتصادي الحالي لها. و أفضل للبلد ككل، خاصة على الصعيد الاقتصادي حيث سيستفيد من التكامل الاقتصادي بين هذه الأقطار. قد يقول قائل إن موريتانيا عضو فى هذا الوقت فى الاتحاد المغاربي و الذى سيجنيه حاصل. هذا صحيح لكن عضوية موريتانيا فى هذا الاتحاد شكلية لا أكثر و لا رغبة لنظامها فى الاستفادة و لا فى التفاعل مع أعضائه، سيرا على النهج الشعوبي الانعزالي عن كل ما هو عربي ” وفاء ” لما رسمه الآباء المؤسسون منذ سنة 1960. ثم من قال إن الفضاء المغاربي مقدر له التجزئة الأبدية! بل سيحقق هذا الجزء من الأمة العربية وحدته إن عاجلا أو آجلا؛ لأن تلك هي إرادة شعبه من البحر الأبيض إلى المحيط الأطلسي. لكن هل بإمكان موريتانيا بوضعها الجديد و ملامحها الطارئة المتمثلة فى غزو العنصر الأجنبي لها، الأفريقي على وجه الخصوص، و أثَرُ فقدها هويتها على شخصيتها الحضارية العربية، مع استمرار الهيمنة الثقافية الفرنسية .. هل بإمكان موريتانيا الالتحاق بركب اتحاد المغرب العربي لتحقق بذلك استقلالها التام؟ أم أن استحالة هذا الأمر سيترتب عليه ضياع البلد و تجزئته إلى كيانات متعددة و استيلاء دول إقليمية على أجزاء منه؟ و هل هناك خيار ثالث غير هذين الخيارين؟ بالنظر إلى هذه المعطيات كلها ، يمكن الجزم بأنه لا وجود لاحتمال ثالث و لا أحد يريد الخيار الثاني؛ و لم يبق إلا أن نعمل على رفع العزلة عربيا عن بلدنا و مواجهة المؤامرة المحاكة ضد هويتنا العربية التى تعترف بأن في موريتانيا أقليات أفريقية غير عربية من حقها هي كذلك الدفاع عن هويتها و ثقافتها. المهمة صعبة لكنها مسألة وجود و ممكنة التحقيق إذا أدركنا حقيقتها.