العدد 58 لشهر دجمبر من مجلة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي قطر موريتانيا :
حين تصبح الطيبة قيمة سلبية !!
لا يسطيع المرء أن يفهم الطريقة التي تسيّر و تسير بها الدولة الموريتانية منذ تولى الرئيس الحالي مقاليد الأمور… فهذا الرجل هو الذي حاز إجماعا وطنيا غير مسبوق عند نجاحه و ألجم الله عنه ألسنة السوء الحداد التي لم تستثن رمزا دينيا و لا مجتمعيا من بذاءاتها؛ و هو الرجل الذي افترض فيه الموريتانيون خشبة خلاصهم من بؤسهم لما توسمون فيه من حسن خلق شخصي و طيبة منشإ شهد له بهما كل من لقيه منذ صار رئيسا، و هم كثيرون، و نقله رواة الأحاديث عن طفولته… غير أن هذه الأخلاق و تلك الطيبة و التربية الحسنة لم يعشها الموريتايون ملموسة في الواقع ؛ إذ لم تترجم في إجراءات تخفف عنهم وطأة البطالة السافرة و المقنعة التي تطحن أجيالا كاملة من أبنائهم و تخرجهم أذلاء من وطنهم إلى مجاهيل أوطان الشعوب ؛ لما تشبعوا به من إحباط في أي إصلاح أو تغيير في ظل نظام هيولى ، لا طعم له و لا شكل و لا مضمون … فهذه الأخلاق و تلك الطيبة لم تنجبا لحد اليوم إلا مزيدا من تركيز النفوذ و منافع الدولة و احتكار ” ريعها ” في يد أقلية محدودة ، هي الأسوء و الأكثر تميزا بالرداءة في المجتمع الموريتاني ؛ و أفراد هذه القلة هم الذين يحملون شارة المتاعب و المعاناة للموريتانيين خلال أربعة عقود ؛ فتسببوا في ضياع مصيرهم و فقدان ثقتهم بأنفسهم و بوطنهم ..
و أين هذه الأخلاق و تلك الطيبة اللتان لم تنجبا إلا انعدام الفاعلية و القدرة على التأثير في واقع الموريتانيين المتردي من سيء لأسوأ ؛ فأضحى الفساد و المفسدون ، في ظل الأخلاق و الطيبة، أكثر من أي وقت مضى، رأس مال وحيد يتداوله الناس ، مكتسبا ” شرعيته” من غياب أي خشية للحساب من قبل رئيس الجمهورية و حكومته التي اختار أفرادها لنفسه، على معايير لا يمكن أن تكون الطيبة و الأخلاق من بينها بالنسبة لأغلب أفرادها . فالرئيس، و حكومته على قلبه، لم تقدر يوما على إزاحة بواب مرتشي من واجهة وزارة أو إدارة عمومية فما بالكم بحيتان الفساد … حتى بات الموريتانيون ، بجميع أطيافهم، يجمعون على أن رئيس الجمهورية حليف وفي و أمين للفساد و المفسدين ؛ و كأنه يظهر بذلك في خدمة الدولة و خدمة الناس !
و أين هذه الأخلاق و تلك الطيبة التي عاشها الموريتانيون في قطع رئيس الجمهورية، و بعض وزرائه، لآلاف الكيلومترات و اقتطعوا في سبيلها الملايين و الملايين من أموالهم ليقطع صلتهم بتاريخهم و بلغتهم و ثقافتهم العربية الإسلامية حين يتحدث، دون ضرورة، باسمهم ، بلغة مستعمر بغيض في المحافل الدولية التي يمثلهم فيها… هذه الأموال التي يحتاجها الموريتانيون في عيشهم و صحتهم و تعليمهم و أمنهم…
طيبة و أخلاق، يغتال بهما الرئيس الكبرياء الوطني للموريتانيين و يخرب في كنفهما مكاسبهم التاريخية و النضالية في سبيل هويتهم القومية و الثقافية و اللغوية التي ضحوا من أجلها تحت أنظمة هي الأنموذج في الشعوبية و الاستبداد، يوم لم يكن الرئيس من بين الشباب المضحين .
فما الذي بقي إذن من قيمة الأخلاق و ما الذي بقي من مصداقية الطيبة و التربية الحسنة لرئيس أضحى نظامه مصدرا لعدم الثقة بالمستقبل … و بالتغيير الذي انتخبه الموريتايون نشدانا له … و قد أخطأوا العنوان، يا للحسرة !!
في ذكرى عيد الاستقلال.. !!
في كل مناسبات ذكرى الاستقلال المنقوص عن فرنسا ، تعود الموريتانيون على أن يخطب بكل هذه المناسبات رؤساؤهم. هذه السنة( الذكرى 61) تأخر خطاب رئيس الجمهورية عن وقته على نحو غير مألوف ، فتندر الموريتانيون على ذلك. فمنهم من قال إن الرئيس نسي مناسبة الاستقلال من أصلها لتعلقه بفرنسا و انجذابه لما يتعلق بها، و منهم من قال إنما نسي تاريخ يوم الاستقلال فقط ، و منهم من قال إنه كان نائما نوما عميقا ربما بسبب الأسفار ، و منهم من قال إنه ذهب في خلوة من خلواته التصوفية و لم يعثر عليه إلا بعد وقت، و منهم من قال إنه كان منشغلا في تنقيح الكتاب عن الطريقة الغظفية و ضبط أسانيدها و “مساديرها “… و بعضهم قال إن الرئيس كان غارقا مع الأحياء من رموز الكادحين لتوشيح أمواتهم على صورة تليق بتضحياتهم في سبيل الوحدة الوطنية بمنعهم اللغة العربية الاحلال محل اللغة الفرنسية التي توحد الشعب، و منهم من قال إنه كان في نجوى مع زعيم افلام حول تحديد لائحة المتهمين قبل بدء الحوار ” الذي لا محظور فيه ” … و منهم من قال لا هذا و لا ذاك، فالرئيس غير خطابه بعدما أعده بسبب علمه متأخرا بالموجة الرابعة من جائحة كورونا. على كل حال، هذه تندرات الشعوب حين تنفض اليد من حكامها و تبدأ في السخرية منها كبداية لتمهيد الطريق لشكرها و الاستغناء عن خدماتها و عن تعهداتها. طبعا، كان الخطاب بلغة عربية سليمة و كان أحسن خطاب لرئيس عسكري بهذه اللغة منذ 1978. و هذا شيء مهم ،خصوصا بالنظر للجهد النفسي الذي بذله السيد الرئيس في الحديث بلغة لا ينجذب إليها و يعتبرها شركاؤه الجوهريون ( الكادحون و الفيئويون) لغة تفتيت للجماعة الوطنية. على مستوى المضمون الاجتماعي و الاقتصادي للخطاب ، كان من الأنسب على الموريتانيين عند تناولهم للماء أن يتذكروا منبعه، كما يقول المثل الصيني. و لذا، جاء الخطاب فارغا من كل شيء ينعش الأمل في الإصلاح و التغيير اللذين نشدهما الشعب الموريتاني و عبر بكل أطيافه عن ذلك. لم يكن الخطاب أكثر من معاذير عما مضى من خيبات أمل في تعهدات السيد الرئيس التي لم يتحقق منها شيء ملموس من شأنه تخفيف أعباء الحياة اللهم ما كان من توزيع لمبالغ مالية لا شك في أهميتها في ظرف جائحة كوفيد 19 و لكن باستمرارها ستكون لها نتائج بالغة الضرر إذا استمرت كنهج على عقليات الموريتانيين التي أفسدها توزيع الأغذية مجانا في موجة جفاف 1969-1973 ؛ فكانت سببا في ما يعانوه منذ عقود من مسكنة و جشع و هلع و اتكالية و عدم فاعلية لا تستثني غنيا و لا فقيرا ، و لا قويا و لا ضعيفا؛ فالكل يتكفف الدولة أو يتكفف الناس !
كذلك اعترف الرئيس ببعض القصور و التأخر في ” بعض تعهداته ” ، لكنه لم يمتلك الشجاعة مع شعبه فيعترف أن ذلك بسبب خياراته غير الموفقة للمشهود لهم بالرداءة و بالرشوة و الفساد ، و لم يعترف بأن تدوير المفسدين و تخصيب تربة الفساد لا يمكن معهما تنمية و لا اقتصاد و لا وفاء بالعهود. إذن ، كان الشق الأول من خطاب الرئيس عن ماض لم يعد في الإمكان تداركه ، و بعضه الآخر عن ” تعهدات ” في المستقبل لم يبين كيفيات تحقيقها و لا كيف تختلف عما فشل فيه مما تعهد به في ما مضى و اعترف بالتقصير فيه. لقد استعذب رئيس الجمهورية الضبابية – في مواقفه السياسية و في تسيير معاونيه للشأن العام – لإدراك غاية إرضاء الجميع فتعودها؛ فكان خطابه ، بهذه المناسبة و بكل مناسبة، لا يسر الشعب و لا يغضب سراقه ؛ و كانت النتيجة، بالنسبة لمن سمعه ، أن الرئيس يصر على ترك أمور الدولة تسير على نحو ما تحمله الصدف بحيث لا يعرف اليوم أحد من الموريتانيين ما ذا يضيع من الدولة و لا ما تجنيه من ثرواتها و أموالها. إنها دولة مغلوبة على أمرها. و من المؤلم فيما يبدو أن خيبة الأمل كانت كبيرة بالنسبة للمعلمين و صغار الموظفين و عامة البسطاء و الفقراء و الضعفاء من الشعب من خطاب رئيس الجمهورية، حيث توقع الأولون رفعا لأجورهم في هذه المناسبة، و توقع الآخرون تخفيضا للأسعار المهلكة لهم. فأتى الخطاب مترعا بالأقوال و الأماني التي سمعوها في خطاب الرئيس للترشح و لم تسندهها أفعاله خلال زهاء ثلاث سنوات…
أسبوع من غياب رئيس الجمهورية !!
غادر فخامة رئيس الجمهورية البلاد يوم الخميس إلى معرض / أكسبو دبي و عاد إليها ليلة الخميس ، مسجلا ” غيبة” دامت أسبوعا كاملا عن بلده ؛ و هذا ليس أمرا طبيعيا اللهم في حالة المرض و العلاج بالخارج. فرئيس الجمهورية شخص غير عادي و كل شيء يتعلق به غير عادي حتى في الدول ذات المؤسسات العريقة ؛ فكيف بدولة لا توجد بها مؤسسات أصلا، و ليس مقبولا لها أن تكون دولة ، لا من مجتمعها و لا من جيرانها . فما الذي حمل رئيس الجمهورية على ” طول الغيبة ” عن بلده الذي تحيط به الأزمات من كل حدوده، و يعاني في داخله من شتى المشاكل : مشاكل البطالة المرعبة، مشاكل جائحة كوفيد 19 الكونية و حميات الفيروسات المختلفة ، و حميات الضنك و حميات الملاريا ، مشاكل ارتفاع الأسعار الفوضوي ، مشاكل الأمن نهارا في الشوارع و المحلات و البيوت … مشاكل تفجر النعرات الفئوية و الاستقطابات القبلية و ازدهار الخطابات الشرائحية… و مشاكل الجفاف المتصاعدة في سنة لم تشهد أغلبية مناطق البلد فيها تساقطات مطرية مطلقا ? ثم على من أوكل رئيس الجمهورية إدارة أمور البلاد المتفجرة? و ما الذي حمله رئيس الجمهورية من ” غيبته” مما ينفع في حلول لهذه المشاكل الجمة و المركبة ?، بكل الأحوال، لن نضيع هذه المساحة في كشف ” النخبة ” الكالحة التي اصطفاها رئيس الجمهورية؛ و هي ” نخبة” مفسدين مدورين من مستنقعات الفساد “المعتقة” ، لا تملك ضميرا و لا رؤية… و لا تمتلك فكرة عن قيادة الدول و ليس لها نظرية للعمل … كذلك لن نضيع الوقت في كشف درجة لبروتوكول التي استقبل بها رئيس الجمهورية في دبي، و لا يعنينا من حضر معه من نظرائه في العالم هذا المعرض… كلها أمور لا ينفع التفصيل فيها في مشاكل ( المرجن /المرجل). ما يعنينا ، كشعب جائع، عطشان، مريض، مرعوب…، هو كم حصل عليه رئيس الجمهورية من المال للدولة الموريتانية خلال هذه “الغيبة”? و كم وقع من الاتفاقيات التجارية و الاقتصادية … و كم حصل عليه من ” التعهدات” في مجال المشاريع التنموية التي تمتص البطالة و تقوي القدرة الشرائية للمواطنين ?
و الرئيس اعتمر مرتين في السنة، و لا يهمنا رأي فقهاء المالكية هنا، و لكن يهمنا رأيهم في الاعتمار بالمال العمومي ، و لكن يهمنا أكثر ما الذي حصلنا عليه من العون في زمن القحط من أشقائنا السعوديين بعد عمرة السيد الرئيس ? و ما الذي جلبه الرئيس من أشياء تساعد في استنهاض همم الرجال و تحدث فيهم وثبة في العقليات و توقد عندهم الحماس للعمل و الإنتاج و توقظ الأمل لدى الشباب في قيام رئيس الجمهورية ببلورة سياسة واضحة و ممكنة و بناءة تحول هذه الطاقات المستنزفة في المشاجرات بين الفئات و الشرائح و الجهات إلى طاقات عمل تصب في جهد وطني شامل و جامع.
السيد فخامة رئيس الجمهورية، لا تعتقدوا أن تخلفكم- لمدة أسبوع في رحلة هدرتم فيها أموالا طائلة لشعب هو في أمس الحاجة إلى كل أوقية – عن بلد يتحلل يوميا أمام أعينكم هو أمر هين ؛ بل أمر لا يمكن تبريره و لا معنى يشفع فيه ؛ فما بالكم إذا كنتم عدتم في النهاية صفر اليدين ، بعد ما أهدرتم من المال و الوقت، مما ليس لكم فيه حق ! ثم أي عائد فعلي لهذا الغياب الطويل إذا حولناه لقيمة تنفع الموريتانيين في حياتهم القاسية بهذه الدنيا، و أي قيمة أخروية لاعتماركم أنتم ألف مرة في السنة بالنسبة للجوعى و العطشى و المرضى و الجاهلين و التائهين في فجاج العالم من الموريتانيين?
السيد رئيس الجمهورية، إن الدولة الموريتانية ، في ظل سلطتكم، توشك أن يصادرها الفراغ، و يكاد الموريتانيون أن يسلموا بهذا الأمر الواقع !
انجازات هامة بطعم العذاب !!
( رأي مواطن من جنوب العاصمة )
أريد في هذا الموضوع أن ألفت انتباه السلطات الى بعض الأخطاء في تسيير نظام بعض البرامج الهامة ، خاصة التي تلامس هموم المواطن و تدخل في أساسيات قوته اليومي .
ففي برنامج التضامن المهم و الذي يوفر بعض المواد الأساسية بأسعار مدعومة ، فإن آلية الحصول على حصة من تلك المواد الغذائية تتطلب جهدا جهيدا ، يبذل من خلاله المواطن و خاصة ربات الأسر وقتا في جو من الحيرة و الحسرة لا يطاق ! فنظرا لقلة العدد الموزع من الحصص، يتطلب الحصول على إحداها العمل على أن يكون موقع الشخص في الصف الأول أو الةاتي من المتقدمين؛ الأمر الذي جعل الجميع يذهبون آخر الليل عن منازلهم ليقضوا بقية ليلهم في الصف أمام وحدة التوزيع ؛ و هو ما قد يترتب عليه مخاطر أمنية فعلية فضلا عن تعب كبير . فهذه المواطنة ( المرأة ) التي تركت أطفالها وحدهم بدون رقيب ، فهم عرضة للاعتداء و السرقة في كل وقت ، فلما ذا نورط هذه الأسر الفقيرة في هذه المعاناة الصعبة من دون اضطرار لذلك .. معاناة لا يحس مرارتها إلا من يضطره الفقر الى جلب قوته اليومي من وحدات التوزيع بتلك المشقة المفرطة حد الإهانة ! في الوقت الذي لا يكلف تحسين العملية و تغييرها السلطات سوى كلمة واحدة على كراس أو جهاز ؛ و هو الأمر بزيادة فترة العمل في وحدات التوزيع لتستمر الى المساء كباقي دوائر الدولة لتتوفر المواد للجميع و بشكل أقل مشقة و صونا لأمن المواطن مع زيادة الكمية الموزعة .
إن هذه الظاهرة هي نفسها موجودة في مشروع توفير السمك حيث يتوجه الجميع في جوف الليل الأخير الى وحدات التوزيع مرغمين على المبيت أمام وحدات التوزيع من أجل الحصول على حصة ضئيلة من السمك في زحام شديد لأن الكمية محددة و الوقت المخصص للتوزيع قليل ..
إنها برامج هامة جدا بالنظر لاتساع الفاقة بين المواطنين ؛ و ينبغي تطويرها و تحسين ظروف الحصول عليها بزيادة وقت التوزيع و الحصص الموزعة …
مايهم الفقراء
النوعية الوزن السعر
أرز محلي كغ 300
أرز أجنبي 600
زيت ل 800
سكر كغ 300
مكرونة (مدينة ) 500
مكرونة (أطلس) 440
ألبان وطنية 350
حليب( سليا)سعودي 1200
حليب( روز) 350
حليب قلوريا 150
بصل كغ 300
بطاطا 300
طماطم 400
جزر 400
لحم غنم 2600
لحم إبل 2200
لحم عجل 2000
دجاج 1200
سمك انكط 1800
سمك سق 2000
سمك ياي بوي 1850
صابون صغير 90
أيام التشاور حول التعليم، أية نتائج؟
لقد اشتدت المطالبة بمعالجة وضعية التعليم من كل الجهات، سواء الشعبية منها أو من طرف النخب بمختلف توجهاتها. فما كان من السلطات الحاكمة إلا أن دعت إلى تشاور واسع يشبه ما يعرف بالأيام التشاورية. تشاور وقعت مهمة هندسته فى الأساس على الأطر التعليمية. بعد تدارس دام عدة أيام نشرت وزارة التعليم و ثيقة كادت تغرق تفاصيلها حقيقة ما أنجز أو تم اقتراحه من معالجة لاختلالات القطاع، و تقديم رؤية تدعى الشمولية و الجدية. لا شك أنهْ قد تمت اقتراحات إيجابية فى هذ المنحى .. لكن محور اللغات كان مخيبا للآمال و مُحطِّما لمعنويات بعض مَن كانوا يحلمون بتغيير حقيقي لصالح اللغة العربية و مراجعة وضع الفرنسية فى التعليم و الإدارة .. رغم أن شبه إجماع المشاركين كان فى هذا الاتجاه. النتيجة، حسبما جاء فى الوثيقة، يمكن تلخيصها فى كون الفرنسية تعزز مركزها على ما كانت عليه و العربية راوحت مكانها .. الرابح الأكبر كان “اللغات الوطنية” التى كان من الواضح أن عملية التشاور كانت فى أغلب مقاصدها تهدف لتحقيق مكاسب ستراتيجية لهذه اللغات. كيف؟ أولا للتركيز الملفت على موضوعها و كأنه هو الأهم من بين المواضيع الأخرى .. ثانيا للتعهد بتدريسها فى جل المستويات رغم أنها لم تتعدًّ بعدُ طور اللهجات، مع ملاحظة أن الوثيقة تتبنى الحرف اللاتيني ضمنا .. ثالثا لقد اعتبرت الوثيقة أن اللغات الوطنية الأربع العربية و البولارية و الولفية متساوية قانونا و هو ما يتعارض مع تصنيف المادة السادسة من الدستور على أن العربية هي اللغة الرسمية و اللغات الثلاث الأخرى لغات وطنية .. رابعا لتزكية الوثيقة تجربة ما يعرف بمعهد اللغات الوطنية و تقديمه على أنه النموذج الناجح الوحيد .. إن اعتراضنا ليس على إعادة فتح المعهد من حيث المبدأ الذى نثمنه و ندعو لإحيائه ليقوم بهذه المهمة، إنما لكونه مصمَّم على العمل باللغة الفرنسية، و يهدف لكتابة هذه اللغات بالحرف اللاتيني. نحن نرى أن الحرف العربي هو الأنسب لجهة تعزيز الوحدة الوطنية التى يطالب بها جميع الناس، و لعدم تنافر الأبجديات، مما قد يؤسس للصراع بين مواطني البلد الواحد، و أخيرا لمسايرة العمل بهذا الحرف العربي الذى دأب إخوتنا الزنوج على استخدامه عبر التاريخ فى شؤونهم الخاصة و فى شعائرهم الدينية و عباداتهم .. من المتوقع كذلك إذا ما أُقِرت هذه الوثيقة و رضخت السلطة لرأي الأقلية التى تدعو لاعتماد الحرف اللاتي أن يقع خلاف بين هؤلاء و بين الآخرين المتمسكين بالحرف العربي، المتشبثين بتراث علمائهم من أمثال بال سليمان و الشيخ موسى كامارا و الحاج عمر الفوتي و الحاج محمود با و الكاتب محمد كوريرا و الفقيه عمر بونا لى و الفقيه بوبكر كده الخ … بخصوص المركز المذكور المسمى معهد اللغات الوطنية دعونا نعد قليلا إلى الوراء لنر الظرف الذى أنشئ فيه. كان ذلك فى عهد الطاغية هيداله و كانت جماعةالشيوعيين من م ن د و القوميين البولار هم الذين بيدهم الأمر آنذاك فعملوا على إنشاء هذا المعهد الذى وضعت له هيكلة جيدة و عمِلَ لمدة أربع سنوات من ضمنها فترة تجربة. كما قلنا المبادرة جيدة فى حد ذاتها .. شرط أن تتعهد الأبجدية العربية التى يمليها كل شيء، بدءا بالمنطق …
بالرجوع إلى الوثيقة فمن المؤكد أنها سيقِرها البرلمان .. ربما بعد تحويرات خفيفة. السؤال الخطير الآن هو أن السلطة فى وضع لا تحسد عليه فى ما يخص اللغة الفرنسية. فهي لا تستطيع ولا تريد بأي حال من الأحوال فتح جبهة مع الدولة الفرنسية التى هي مستعدة لتقديم كل تنازل .. إلا فى ما يخص لغتها. من جهة أخرى ، فإن السلطة واقعة تحت موقف شعبي قوي رافض للغة الفرنسية و يتصاعد كل يوم. الاستاتيكو هو إذن المرجح. بما يحمل من قساوة الاستعمار اللغوي و الثقافي مثل كل استعمار.
بين البعث .. و حزب البعث ! (ح2)
كان القائد المؤسس ميشل عفلق رحمه الله يميز بين المبدأ كروح و المبدأ كذهن… لهذا لم يحفل في بادئ الأمر بصياغة نظرية كاملة و تصور فلسفي لم تنجبه أرض الواقع و التجربة ؛ و إنما كان شديد الإيمان بأن المعاناة و خوض التجارب النضالية هي التي تصقل الإنسان و تولد الإبداع و تبلور النظرية الحية و أن تحقيق عمل يسير أفضل من أعظم نظرية في بطون الكتب و الأذهان . تحدث في بادئ الأمر عن الحركة التاريخية و شروطها و عن الجيل الجديد و شروط تكوينه… و انتقل بذلك من الثقافة النظرية إلى العمل الثقافي و السياسي في شكل مشروع حضاري إنساني شرطه الأخلاق … و ميز بوضوح منذ البدء بين ( البعث ) كغاية و ( حزب البعث ) كوسيلة ؛ و وضع الشروط الصارمة لهذا الحزب لكي يكون حزب البعث .
لكل ذلك، وضع البعث فوق الحزب و الحزب فوق الثورة و الثورة فوق السلطة و الدولة … و الجماهير هي الأصل و المرجع و هي البعث ذاته في حالة نهوضها و انبعاثها. و حدد الغايات البعيدة للعمل الحزبي و النضال السياسي كونه أداة تربوية بحيث يجب ألّا يتحول الحزب إلى غاية في ذاته و ينسى مشروعه النهضوي ، مهما تعقدت الظروف السياسية و كبرت المعوقات و ادلهمت الخطوب.
لقد كان الدافع الأول لنشاط الحزب هو الدافع الحضاري ، لذلك يرى القائد المؤسس أن الأمة هي الأصل و الحزب وليد آلامها و معاناتها و تشوقها إلى النهوض و الانبعاث . لهذا، لم يبدأ القائد المؤسس مشروعه النهضوي الحضاري الانبعاثي بتأسيس ( الحزب ) و إنما اتخذت المسيرة التي بدأها صفة ( الحركة ) ؛ و كان يصر على وصفها بأنها ( رسالة لا سياسة ). لذلك، أخذت الكتابات الأولى التي سبقت تأسيس الحزب طابع المشروع الثقافي و ليس البرنامج السياسي الحزبي … ( يتواصل )
تكريس القبلية تحت شعار تكريم أبطال المقاومة.. !!
يلاحظ دائما في القرارات الموريتانية التي تتخذ على نحو تلبية المطالب المشروعة، أنها توجه لتشويه تلك المطالب ذاتها.
في السنوات الأخيرة، وبعد الجدل الذي احتدم حول طبيعة المقاومة الموريتانية، ارتفعت أصوات مطالبة بإنصاف المجاهدين الذين قضوا في مواجهة الاستعمار الفرنسي ذودا عن الحوزة والدين والكرامة.
وقد تأكد من خلال الوثائق الفرنسية والروايات الشفاهية المتواترة أن رجال هذه البلاد بذلوا جهودا جبارة في سبيل دحر المستعمر، منهم من قضى نحبه ومنهم من هاجر بعد تأكده من غلبة المحتل رافضا العيش معه على نفس الأرض معتبرا أنها دنست بمقدمه.
وبموجب الحصول على هذه القرائن ، أصبح مطلب إنصاف أبطال المقاومة أمرا لا مفر منه من لدن السلطات العليا، غير أن الخطة التي رسمت له جعلت السكوت عنه كان أفضل من ذكره. فبدلا من أن يتم تكريم هؤلاء الأبطال بتشييد منشآت حضارية أو هيئات وطنية تقدم خدمات للشعب الذين قضوا دفاعا عن حوزته وتسمى بأسمائهم، كل حسب الأسلوب الذي انتهجه في المقاومة، مثلا : (كتيبة بكار، ثكنة بناهي ولد سيدي، مفرزة سيد أحمد ولد أحمد عيدة، كلية ولد ما يابا، جسر سيد ولد الغوث، ملتقى ولد ميارة…) بدلا من أن يتم التكريم على هذا النحو الوطني الذي سيترك للأجيال صورة حسنة عن كفاح أجدادهم ، أعلنت الدولة بالتعاون مع الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة عن تكريم شخصيات تمثل زعامات قبلية وتركت جوهر القضية ، مثمنة أبناء هذه الشخصيات يتبجحون بما لم يصنعوا على أبناء غيرهم بمن فيهم أبناء رجال قضوا في المقاومة فتحولت مناسبة تكريم شهداء الدفاع عن الوطن من مناسبة وطنية إلى مناسبة تكريس للنزعة القبيلة تتجمهر فيها القبائل وتردد عبارات تمجيد القبيلة ولا ترد فيها أي عبارة لها بعد وطني؛ بل إنها بما شملت من حجب لأدوار مجاهدين كانوا يمثلون القادة الأماميين لجيوش القبائل التي يكرم زعماؤها قد تضاعف الشرخ الاجتماعي البالغ أقصى حده أصلا ومن ثم يصبح تكريم أبطال المقاومة عامل تشتيت للشعب بدلا من كونه عامل لحمة لأن ما بني على دعائم خاربة مآله الانهيار…
لنواجه التحديات !!
إن التدهور المتواصل للأوضاع فى وطننا الكبير يستدعي منا التفكير فى أنجع السبل لوقفه، بل للقفز بالأمة إلى الآفاق و الطموحات التى رسمها حزبنا العظيم حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال فكره الثوري .. لا نحتاج كبير عناء لإدراك ما تتسم به المرحلة الراهنة من تحديات و من سطوة القوى المعادية من جهة، و من ضعف و تشرذم فى أداء القوى القومية المناهضة لها، من جهة ثانية .. من هنا ضرورة مراجعة أوضاعنا كحزبيين و كعرب للتصدى لهذه التحديات التى يمكننا حصرها فى ما يأتى :
١- الهجمة العالمية المنسَّقة و المتعددة الأبعاد و الأطراف التى تستهدف مشروعنا القومي من أساسه
٢- الظروف الذاتية للجماهير العربية و قواها الحية التى تتسم فى أغلبها بالاستسلام و السلبية. من ذلك انخفاض المعنويات لدى من يفترض فيهم الصلابة فى التحدى و إرادة النهوض، أي النخب. تتراوح هذه الروح الانهزامية ما بين مُشكِّكٍ فى جدوى التضحية من أجل أمة أصبح لا يؤمن بها، و بين من يرى فى جلد الذات و التهجم على العرب و الكفر بالعروبة متنفسا لعجزه و مكبوتاته. ثغرة قد يتسلل منها الأعداء و الشعوبيون لتوهين أعز ما عند العربي، إرادته و كبرياؤه.
٣- هيمنة العقلية القطرية اللعينه و انسياق الجماهير لها بسبب فرضها بالقهر فرضا من طرف الحكام، و كأن لا أفق إلا القطر. من المفروض أن تقف القوى الوحدوية فى وجه القطرية و تبيِّن أضرارها و دورها فى تخلف الشعب، و بالمقابل أن تشرح للجماهير بكل الطرق و الوسائل فوائد الوحدة على كافة الصُّعُد، و بخاصة على الصعيد الاقتصادي. تساعد كل المعطيات فى سهولة إقناع هذه الجماهير بأهمية الوحدة العربية، و إحراج الحكام أمام الرأي العام القومي و الدولي. من هنا يأتى دور النخب و المثقفين الوحدويين الثوريين، لكنه دور مازال دون المستوى و دون الممكن،
لتجاوز هذه التحديات و النواقص الذاتية. إننا اليوم و أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلي إقامة قوة عربية شاملة قادرة على مواجهة القوى المعادية، و قد أصبح من الملح تشكيل جبهة سياسية واسعة تضم كل من يشتركون فى الرؤى و الأسس التى ينبنى عليها العمل المشترك، و وضع خريطة للطريق يتم فيها تحديد الأعداء الذين هم الامبريالية و الصهيونية و الصفوية .. مع السعي لجعل أحرار العالم يقفون مع قضايانا العادلة. لن يتأت هذا كله إلا بنبذ التشاؤم و روح الاستسلام و استحضار ما تكتنزه أمتنا العربية من مقومات و قدرة على تجاوز المحن.
أما على مستوى القطر الموريتاني فقد حان الوقت ليستعيد ل87 % من الشعب الموريتاني و يفرضوا على الأنظمة الشعوبية المتعاقبة و المرتبطة دائما بالاستعمار هويتهم العربية و انتماءهم الفعلي و ليس الصوري للأمة العربية، عن طريق مشاركتهم فى همومها و تفاعلهم معها من خلال منظمة الجامعة العربية و اتحاد المغرب العربي، و وضع حد لعزلة البلاد عن محيطها الطبيعي بإبرام العلاقات الثنائية و ممارسة التجارة و الزيارات البينيه. كما يجب على القوى الحية الموريتانية الاندماج و التنسيق مع الأشقاء العرب و النضال من أجل إقامة الجبهة القومية المذكورة.