بيان : رؤيتنا للتطورات الدولية الجارية

أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات

كان حزبنا- حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر الموريتاني ، سباقا إلى الإمساك باللحظة و النذر الأولى لاندلاع هذه التطورات الدولية؛ و عبر عن اقتراب تفجر هذه

التطورات، قبل الحرب في أوكرانيا، في مقالات رصينة متوالية نشرت بجريدة الدرب العربي. و أوضح حزبنا منذ اللحظة الأولى أن نذرا تلوح بقرب تغيير النظام الدولي القائم، و بمخاض الظروف الدولية باستيلاد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، بالضد من مصالح و رغبة الولايات المتحدة الأمريكية التي هيمنت على العالم بعد تحولها إلى دركي دولي، مفتوح الشهية على البطش بالشعوب أين و متى و كيف شاء، دون اعتبار لأي قانون أو شرعة دولية. لقد اعتبر الأمريكيون أن العالم بأسره ما هو إلا مسرح للمصالح الحيوية الاقتصادية الأمريكية ،و ساحة العالم مجرد مجال جيو – استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية تلعب فيها ؛ و من واجب الأمريكيين ، من هذا المنظور للهيمنة، الدفاع عن هذه الوضعية الشاذة بوصفها امتيازا طبيعيا للأمريكيين و هبة إلهية إليهم، يفرضون فيها، بمشيئتهم، قيمهم الثقافية ونمط حياتهم على بقية البشرية. إن التتبع التاريخي لأصول النزعة التسلطية عند النخب الأمريكية، في مختلف الإدارات، يقود إلى عوامل سيكولوجية تراكمت في الغرب الاستعماري فشكلت الامبريالية الأمريكية التوسعية المتأسسة على سلسلة انتصارات القوى الرأسمالية على قوى الكنيسة و قوى الإقطاعية و ” الطبيعة” ،باكتشاف الآلة، … ثم الانتصار ، خارجيا، على المسلمين في عقر دارهم في الحروب الصليبية … ثم الانتصار في الحرب العالمية الثانية … ثم الانتصار على القوى الشيوعية ، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1989 ؛ حيث تفردت أمريكا بمصير العالم و باتت تتصرف مع أنظمة الشعوب و المؤسسات الدولية كحراس لمصالحها في العالم الثالث، و كزبناء و أسواق لمنتجاتها في أوروبا، و كموظفين ينفذون تعليماتها في هيآت الأمم المتحدة المختلفة، في خدمة الشهوة الأمريكية الحارقة للسيطرة على الشعوب، تحت أكثر من عنوان براق و مغشوش، مثل نشر” قيم الديموقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و حقوق الأقليات “.
أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.
إن المبادئ الكونية لكرامة الإنسان و نزوع أمتنا إلى التحرر من الافتراس الأمريكي لوطننا العربي مباشرة أو بالوكالة، خلال أكثر من سبعة عقود، هو ما جعلنا نحتفي بأي توجه و جهد إقليمي و دولي يسعى لوضع حد للهيمنة الأمريكية و لحلفائها على مصير العالم. و لهذا الاحتفاء بوجود قوى دولية، من خارج أمتنا، صاعدة ضد قوى الظلم و الاستكبار العالمي، الذي تمثله أمريكا، أصل مكين في تاريخنا القومي و الديني ؛ فقد وردت البشارة للمؤمنين، و هم يومئذ عرب جميعا، بقرب انتصار الروم، أهل الكتاب، في معركة البحر الميت ، على الفرس المجوس. فقال الله في سورة الروم، الآيات من ١ إلى ٤{ ألم غلبت الروم في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون } صدق الله العظيم. و تأسيسا على قاعدة الحق في الدفاع عن النفس و اغتنام الفرص في طرد الظالمين من ديارنا و عن مصالح أمتنا ، فإن حزبنا دعا مبكرا إلى الاستعداد لهذا التشكل الجديد للمحاور الدولية و لما ينتج عن صراعها من مخاطر كبيرة جدا ،خاصة على الدول الضعيفة. إنه صراع يدور هذه الأيام، في بداياته، في أوروبا و تخومها؛ أي خارج منطقتنا العربية لأول مرة منذ عقود. و ربما ينتقل الصراع في محطته التالية إلى إفريقيا، و هو ما سبق أن نوهنا إلى خطره على هذه القارة المهملة و الخالية من شبابها و قواها الحية. إنه يتوجب على الأنظمة العربية، و السلطة الموريتانية بالذات، تعزيز الموقف السعودي، الذي عبر عنه، قبل أيام، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تنويه باستعداده، شخصيا و السعودية كدولة، لخوض الحرب من أجل تخليص ما سماه هو بالشرق الأوسط من التبعية، و نسميه نحن بالوطن العربي، باعتبار الشرق الأوسط مصطلحا أمريكيا مفرغا من حمولته القومية و الحضارية للأمة العربية و شاملا لقوى معادية لأمتنا كالكيان الصهيوني و إيران في ظل نخب الملالي. إن على السلطة الموريتانية أن تستيقن بخطورة و عمق ما يجري في العالم و أن تدرك حتمية تغير العلاقات الدولية و تحول ميزان القوة من الامبريالية التوسعية الأمريكية، في بداية الصراع أو في نهايته ، تبعا لنوعية وسائل حسم الصراع الدائر في أوكرانيا. إن الجدية و الوعي المناسبان يقتضيان ، في هذا الصراع ذي الأبعاد التاريخية و القيمية و الحضارية و المصالح الاقتصادية و الجيو- سيتراتيجية، و المفتوح على كل شيء، التأهب لدعم القوى الدولية الصاعدة ، في طليعتها روسيا و الصين للتخلص من القطب الأمريكي الأوحد. كما ينبغي عدم استبعاد احتمال انفراط الاتحاد الأوروبي الذي يشكل الآن حلبة الصراع، أو ” الشرق الأوسط” الجديد، بتعبير ولي العهد السعودي، حين تسفر تطورات الصراع عن تناقض صارخ و ضاغط بين مصالح دول الاتحاد الأوروبي و بين المصالح الأمريكية؛ و اضطرار بعضها للتحول، مثل فرنسا و آلمانيا، عن خط البوصلة الأمريكية إلى المحور القوي الجديد ، روسيا و الصين. إنها حقبة صراع دولي قاس و طويل الأمد، مفتوح على كل الاحتمالات، و ستكون له تداعيات كارثية على مستويات الأمن الغذائي و الصحي في شتى أرجاء العالم، عندما تتمحض كل المصانع في الدول الكبرى لتصنيع الأسلحة و دعم المجهود الحربي، و حين يتوسع الصراع المسلح خارج أوكرانيا الحالية، فتضرب القوى المتصارعة السفن في عرض البحار و المحيطات. … و على الحكام الواعين بحجم المسؤولية العمل، من هذه اللحظة، على تخزين كميات استيراتيجية من الأغذبية و الأدوية و الثياب و المياه … و ترشيد الموارد و التوعية الشعبية في هذا الموضوع … كما أن هذا الصراع سيفتح الفرص تلو الفرص في تغيير النظم الحاكمة من لدن قوى الصراع الكبرى في سياق كسب الحلفاء و القواعد عبر القارات. إن مواجهة ظروف بهذا المستوى من الخطورة، لا يمكن أن تعتمد على القوى التقلدية من قبلية و شرائحية و كشكولات حزبية مهترئة و مناسباتية … و لا أطر مشهود لهم شعبيا بنهب ثروات الشعوب و سرقة أموالهم، و سواهم من بؤر الفساد و المفسدين التي يراوح بينها نظام السلطة الموريتانية الحالية؛ بل تتطلب الوضعية استدعاء القوى الوطنية و القومية التقدمية نظيفة الأيدي و التاريخ، التي ناضلت في سبيل تحرير الشعوب و انعتاقها من قوى الاستعمار و الامبرياليات الغربية، و من قوى الرجعية المحلية و الفاسدين…
أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.
إنها فرصة تاريخية ، غير مسبوقة، تتأتى ، الآن، لأمتنا للتعبير، عمليا، عن حيويتها و مخزونها الروحي الهائل و إمكانياتها الاقتصادية و الطاقوية و موقعها السيتراتيجي مما يؤهلها لتصدر القوى العالمية الصاعدة و المتصدية للهيمنة الأمريكية لطرد الامبرياليات التوسعية الغربية من و طننا العربي و إيقاف نهب ثرواته بابتزاز حكامه الضعفاء، بحقوق الإنسان تارة و حقوق الأقليات و الديموقراطية تارة أخرى بغية العبث بوحدة أقطاره ، و لفرض حقوقنا و مصالحنا القومية المشروعة على الفاعلين في النظام الدولي القادم، قيد التشكل؛ بدءا باستعادة فلسطين كلها من الكيان الصهيوني ، الذي يجد نفسه، لأول مرة منذ إنشائه 1948، مضطرا للتخندق ضد روسيا و الصين لحساب أمريكا ، و هما قوتان عظيمتان صديقتان للكيان الصهيوني تتعاملان معه كدولة طبيعية في وجودها و تتغاضيان عن جرائمه ضد أمتنا…و ستكون لهما اليد الأولى في النظام الدولي، الذي يتخلق بما يسمح لأمتنا باستثمار تناقض المصالح بينهم و موقفه العدواني منهم لصالح قضية فلسطين و سواها من قضايا أمتنا العادلة.
إن المملكة العربية السعودية، في هذا السياق، في ظل ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، و بإمكانياتها الاقتصادية الكبيرة و مركزيتها الروحية، بالنسبة لأكثر من مليار من المسلمين، عبر العالم، لهي قادرة على هذا الاستثمار للتناقض بين مصالح الكيان الصهيوني من جهة، و مصالح روسيا و الصين من جهة ثانية وصولا لاحتمال نشوب الحرب بينهم ضمن استقطاب المحاور الذي هو قادم بكل تأكيد، كما أنه بوسع السعودية جذب الأمة العربية من الدرك الذي وقعت فيه، في هذه الحقبة بالعمل بروح وحدوية عربية، عبر التنسيق مع قوى الأمة الرسمية و الشعبية كافة و توحيد موقفها إيجابيا لصالح تغيير بنية النظام الدولية القديم و التحرر من الهيمنة الغربية، و إذا توفرت لأميرها الشاب إرادة النهوض و النخوة العربية باستعادة العراق من قبضة عملاء أمريكا و إيران إلى الأمة العربية و استعاد العراق إمكانيات أمته من الناهب الأمريكي، عندما تحزم السعودية ،كدولة و أقطار الخليج الأخرى، أمرها بالقطيعة النهائية مع التبعية المهينة للولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا، و إذا تخلص أميرها من عقد الصراع السابق عليه مع القوى القومية و التقدمية ، في طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كانت له البداية و الريادة في الفضل و الشرف، منذ عقود، في التصدي، منفردا، دون معين قومي أو دولي، لغطرسة الامبريالية الأمريكية و جبروتها؛ فوقف وحيدا في وجه نزعتها التدميرية و التسلطية، و كانت تضحياته، في سبيل ذلك، بأغلى و أعظم رموزه: ( أكثر من مائة و ثمانين ألف بعثي استشهدوا على مشانق الإعدام الأمريكي، على رأسهم الرفيق الرئيس صدام حسين، أو قضوا في سجون سلطة الاحتلال المزدوج، الأمريكي – الإيراني، أو استشهدوا في المعارك مع المحتلين الأمريكيين و عملائهم في العراق، على رأسهم الرفيق الأمين العام عزة إبراهيم، رحمهم الله.) و كان صمود البعثيين و تصديهم، معزولين لأكثر من ثلاثة عود، ، للهيمنة الأمريكية، هو القاعدة الأساسية التي تشكل عليها وعي الشعوب و تجرؤها على مواجهة أمريكا و حلفائها، كما هو حاصل اليوم في الروس و الصين…
و استنادا على هذا التاريخ النضالي العميق و المشرف و الاستشراف بعيد المدى لنهاية أمريكا، و استثمارا لتضحيات حزبنا و رموزه و آلاف الشهداء من رفاقنا في العراق، في سبيل التعجيل بهذه النهاية، لصالح أمتنا بكل عناوينها القومية التقدمية و الإسلامية التحررية، فإننا نهيب بجميع رفاقنا ، في مختلف الأقطار العربية، و خاصة كوادر الحزب في جميع الأقطار ، إلى السمو بنضالهم إلى مستوى هذه الحقبة من تاريخ العالم ، فيسدوا الريح التي تعصف بهم من الأبواب المهترئة، و ينتخبوا قيادات على مستوى المرحلة، فيساهموا مع القوى الدولية الرافضة للهيمنة الأمريكية ، التي تقودها روسيا و الصين حتى لا يتخلف حزب البعث في أي قطر و في المهاجر عن المشاركة المقدرة في حرب تخليص الشعوب من الامبريالية التوسعية الأمريكية… كما يهيب حزبنا بالأنظمة العربية و القوى الفكرية و الثقافية و التنظيمات الحزبية التقدمية و بجميع الأحرار في العالم إلى الانخراط بفاعلية و مسؤولية تاريخية في هذا الصراع إلى جانب قوى التغيير الدولي ، التي تقودها روسيا و الصين، لصالح بناء نظام دولي جديد، متعدد الأقطاب ، يتأسس على قيم العدل و الإنصاف و استرداد الحقوق… و يحترم الإنسان من حيث هو إنسان و يسمح بالدفاع عن المصالح المشروعة للشعوب… و يعيد الحقوق المسلوبة لأصحابها الذين ظلمتهم الامبرياليات الغربية ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
* عاشت أمتنا العربية الواحدة من موريتانيا حتى العراق.
* عاشت فلسطين عربية من البحر إلى النهر.
* عاش حزب البعث العربي الاشتراكي.
* المجد لرفاقنا الذي يخوضون نضالهم بصبر و صمت.. و الجنة لشهدائنا الأبرار.
أكتوبر، 2022
قيادة قطر موريتانيا.