المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الإشتراكي

عقد حزب البعث العربي الاشتراكي، قطر موريتانيا مؤتمره القطري حيث كان مناسبة للرفاق المؤتمرين لمناقشة القضايا الحزبية و الوطنية و القومية و الأحداث الدولية.

 

  • نص البيان :

 
البيان الختامي للمؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي-قطر موريتانيا، المنعقد في يوليو 2022
أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.
ها أنتم ، في هذا اليوم المبارك من شهر يوليو / تموز ، شهر النماء و شهر ثورة ١٧-٣٠ التي فجرها حزبكم العظيم في العراق 1968 ، تختتمون المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في موريتانيا طبقا لمقتضيات أحكام النظام الداخلي و صيغه التنظيمية ، من مؤتمرات الفرق فصاعدا، بفضل الله و توفيقه ، ثم بفضل روح المسؤولية النضالية و الانضباط الحزبي الصارم و المسؤول اللذين ميزا هذه المؤتمرات طيلة سيرها. إنكم أيها الرفاق اليوم تمثلون تلك القلة الطليعية ،في الأمة، التي طالما تحدث عنها رفيقنا المؤسس الأستاذ ميشل عفلق رحمه الله؛ و التي وصفها بأن لها صلابة الجبال و براءة الأطفال و طيبة المؤمنين المجاهدين من صفوة الأصفياء، الذين نذروا أنفسهم لخدمة أمتهم في مختلف الظروف و محطات الأخطار في سبيل الحق و إعلاء كلمة الله و دور الأمة الريادي بين أمم العالم و شعوبه ؛ و لو وقف ضدهم أهل الأرض جميعا ، و هجرهم الصديق و جفاهم الحبيب.


أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.


إذا كان رفاقنا المؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي في القطر الموريتاني ، و الجيل الثاني من بعدهم، قد تعرضوا لصنوف التنكيل و التعذيب الجسدي لصدهم عن مبادئهم فصمدوا، كثير منهم، فإن الأنظمة السياسية المتعاقبة لم تكن أكثر رحمة بالبعثيين في الأجيال ما بعد المؤسسين؛ فقد انتهجت أسلوب الضغط من خلال محاولة قطع الأرزاق عن رفاقنا ؛ فحاصرتهم الأنظمة و همشتهم حتى كانوا أقل حظا و أوضح غربة في وطنهم من جموع المهاجرين غير الشرعين لحملهم على التخلي عن أهداف البعث و حزبه و لدفعهم للقطيعة مع تاريخ نضالهم و التوقف عن مواصلة نضال رفاقهم من قبلهم؛ الذين أوصلوا إليهم ، بالمعاناة و الألم، هذه الأمانة العظيمة لحملها و تأديتها لجيل بل لأجيال أخرى من بعدهم من الشباب الجديد في قطرنا حتى يبلغ الوعي الشعبي مداه بانتماء تلك الأجيال من دون تردد و لا تشويش لهويتها القومية و لتميزها الحضاري ؛ و لكي يستيقن الشباب الموريتاني أن البعث و حزبه هما في صدارة القوى الوطنية و التقدمية التي تمثل تطلعات الشعب الموريتاني و آماله بكل مكونات شعبنا، و هو الذي يعبر بصدق و بأعلى صوت عن آلامه و معاناته بلا انقطاع في ظل أنظمة الفساد و التبعية الأجنبية.


أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.


إننا في هكذا مناسبة سعيدة ننوه لرفاقنا أن حزب البعث خلال العقدين الأخيرين خاض معارك إعلامية و تعبوية شرسة ضد قوى الشعوبية الظلامية و اليسارية الأممية و القوى الليبرالية التغريبية لتوصيل خطابه الوطني الرصين و مواقفه القومية ، بلغة وطنية و أسلوب حضاري مميزين، للموريتانيين كافة عبر جريدة الدرب العربي ( 64 عددا شهريا حتى الآن) وعبر بياناته التي غطت أبرز أوجه القضايا الوطنية و القومية و تناولت بالكشف و النقد أغلب صور معاناة شعبنا؛ كما حرص الحزب، في ذات السياق، على ترجمة مواقفه المبدئية من المظالم الاجتماعية و من الأقليات الوطنية إلى اللغة الفرنسية لتمكين النخبة الفراكوفونية من مكونات شعبنا ، و خاصة من الأقليات الفلانية و الزنجية، للإطلاع عليها من مصدرها، قاطعا بذلك الطريق أمام هذه القوى التي دأبت على الترجمة المشوهة لمواقف حزب البعث مستغلة العائق اللغوي للنخبة الفرانكوفونية من هذه الأقليات.


أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.


إنه بدون الدخول في التفاصيل، خشية الإطالة في الحديث عن البدهيات، نعلن التأكيد على تمسكنا، الذي لا مساومة فيه و لا نكوص عنه، بمواقف البعث و حزبه إزاء كل شبر محتل من وطننا العربي ، بدءا بالموقف من فلسطين من البحر إلى النهر و اعتبار الكيان الصهيوني كيانا مسخا اصطناعيا لا بد من زواله طال الزمن أو قصر، مرورا بالعراق و ما يتعرض له من احتلال مزدوج أمريكي – إيراني و الأحواز العربية فجزر طنب الكبرى و الصغرى و أبي موسى ، و لواء الأسكندرونة، و الجولان و سبته و إمليليا و جنوب لبنان، و يدين بقوة التخريب الدولي و النهب الأجنبي لثروات شعب إقليم منطقة أزواد… كما نؤكد على تمسكنا المبدئي، الذي لا محيد عنه، بكل الثوابت الفكرية و الصيغ التنظيمية للبعث و حزبه، و بمؤسسة القيادة القومية التي تمثل رمزيته الشرعية و تفرده القومي بين الأحزاب العربية ذات التوجه القومي.


أما على مستوى قطرنا الموريتاني، فإننا نؤكد على :


أولا:
– أن حزب البعث سيبقى ، بعون الله و بهمة رفاقه و نضالهم المشرف، الصوت الأعلى في خدمة الشعب الموريتاني بكل فئاته و انتماءاته ، و يعلن براءته التامة من كل أشكال المظالم التي لحقت بشعبنا بكليته ، جراء الفساد و الفاسدين، أو لحقت بجزء منه، كما حصل لبعض مكوناته في أحداث 1989، 1990،1992.
– موقفه المبدئي إلى جانب النضال الحقوقي الوطني الديموقراطي السلمي، سلوكا و تعبيرا، ضمن وحدة الشعب الموريتاني و غير المرتبط في أجندته بجهات أجنبية ، لتخليص بعض شرائح شعبنا من الغبن الاقتصادي و الاضطهاد المعنوي اللذين تأذت منهما تاريخيا هذه الشرائح الاجتماعية ، حتى الاستعادة التامة لكامل حقوقها، في المقدمة شريحة لحراطين العربية و منها بعض المنحدرين من الأرقاء السابقين، و كذلك الشرائح المظلومة في مجتمع الفلان و الزنوج ، من شعبنا، و إنزال العقوبة المنصوصة ،دون شفقة، على من تثبت عليه ممارسة الرق و السلوك العنصري ، و كذلك على من يروجون للبلاغات الكاذبة عن هذه الممارسات المقيتة. علما أن حزب البعث العربي الاشتراكي كان سباقا في خوض معركة تحرير و تحرر الفئات الاجتماعية من أغلال الرق و الامتهان الإنساني، في حقب الجمر و التنكيل بالقوى الوطنية التقدمية، قبل أن يتحول هذه الأجندة الوطنية إلى ملف للتكسب المادي للأفراد و الدعاية الانتخابية للمجموعات؛ و لا قبل البعث المزايدة عليه من أية جهة في النضال ضد الاستعباد و العقليات الاجتماعية البالية؛
– وقوفه مع أصحاب الحق من ذوي الضحايا من شعبنا من الفلان و الزنوج في أحداث تسعينيات القرن الماضي بناء على ما تم من معالجات و جبر أضرار لهذا الملف من قبل الدولة الموريتانية ، و إبعاد هذا الملف عن يد السياسيين الذين لا يريدون له أن ينتهي.
– تحميله للأنظمة السياسية الموريتانية المتعاقبة ، منذ أحداث 1989، و الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع الموريتاني كامل المسؤولية في خذلانها المشين و صمتها المعيب إزاء حقوق آلاف الموريتانيين الأبرياء الذين قتلوا بالجملة في السينغال ؛ و نهبت أموالهم الطائلة في هذه الأحداث . و يدعو حزب البعث هذه الأطراف كافة إلى فتح هذا الملف للعمل بكل قوة لدفع الجهات القانونية الوطنية و السينغالية و الدولية إلى إنصاف الموريتانيين و استرداد حقوقهم المادية و المعنوية و لتقديم الدولة السينغالية الاعتذار لهم عن تلك الجرائم الوحشية التي لحقت بهم.
– وقوفه و انخراط مناضليه إلى جانب القوى الوطنية كافة، و خاصة القوى الشبابية، التي تناضل من أجل إيقاف مسلسل الفساد و نهب البلاد و تجويع العباد … و يدعو النظام الحالي ، نظام محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى وقف تحالفه مع المفسدين و تدوير خميرة الزمرة المسؤولة عن سرقة أموال الموريتانيين و نهب ثرواتهم الطبيعية بالتواطؤ مع الشركات العالمية، مما تسبب في البلاوي و المحن التي تطحن شعبنا.
– دعمه لإصلاح تعليمي و تربوي وطني جذري ينهي هيمنة اللغة الفرنسية على منظومتنا التعليمية، التي هي السبب الحقيقي في تردي هذه المنظومة فضلا عن عوامل أخرى تتعلق بتكوين و تحسين شروط حياة و عمل الطاقم التربوي و التعليمي.
– دعمه لإصلاح عقاري جدي و ناجز على مبدأ ( الأرض الميتة لمن أحياها) يقطع كليا مع تلك الملكية الجماعية الظالمة التي تعيق استغلال الأرض و تعطل القدرات الانتاجية لقوى المجتمع المستعدة لخدمة الأرض و زراعتها ؛
– دعمه للطبقة الوطنية العاملة في عرائضها المطلبية المشروعة و خاصة منها ما يتعلق بالقضايا الملحة، كتحسين الأجور في مواجهة الرتفاع الجنوني للأسعار و غلاء المعيشة؛
– دعمه لكل السياسات و التدابير الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي تقوي وحدة الموريتانيين و تماسكهم الوطني و تمتن أواصرهم الاجتماعية، و تعزز أسس و أركان الدولة الوطنية كتقوية المؤسسات الدستورية و مرافق الدولة الانتاجية و الخدمية ، و إصلاح المنظومة الإدارية المتعفنة على أساس الكفاءة الشخصية و النزاهة التسييرية و روح الوطنية للفرد في تبوؤ المواقع السامية و الحساسة، بهدف إرساء حياة ديموقراطية صحيحة تحرر البلد سياسيا و اقتصاديا و لغويا من التبعية لفرنسا و وكلائها المحليين، و بما ينتج عدالة و مساواة بين جميع الموريتانيين و تكافئهم أمام الفرص في بلدهم، و بما ينهي لعبة الديموقراطية الشكلية المتعايشة مع بيئة قيم الرجعية و القبلية و المحسوبية و الإثنية… و التحكم في رقاب الناس و مصائرهم بشراء الذمم بالمال السياسي المنهوب من الدولة ؛ و هي بيئة قذرة يستحيل أن يشترك حزب البعث العربي الاشتراكي فيها؛ إذ أن مبادئ البعث تمنع على البعثيين التضحية بالشعب و مصالحه و تطلعاته لقاء حصولهم على عطف أو نوال أو ثقة الأنظمة الفاسدة، لقاء قبول هذه الأنظمة بحضورهم في برلمان شكلي يتواطأ مع الفاسدين في انتخابات ذات طابع قبلي و إثني و شرائحي فاضح، و تشترى فيها ذمم و ضمائر المواطنين الجوعى و المرضى بكل وقاحة من قبل هؤلاء الفاسدين، سواء منهم الذين تمولوا بنهب أموال الشعب أو الذين تمولوا من قبل تنظيمات و دول أجنبية. إن موقف البعث و حزبه من الأنظمة السياسية لا يتأسس على حصوله على مكاسب مادية أو حظوة معنوية من نظام سياسي، على وفق ما تكتفي به الأحزاب النمطية التقليدية، و إنما تنبني مواقف البعث و حزبه، قربا أو بعدا، من الأنظمة على أساس اقتراب الأنظمة من مصالح الشعب ، و خاصة فئاته الفقيرة و المحرومة تاريخيا ، و تبنيها أو عدم معاداتها لثوابت البعث القومية؛
ثانيا: وضعية البعث و حزبه على المستوى القومي.
إن من نافلة القول إن وضعية أمتنا و حزبها، حزب البعث العربي الاشتراكي، هي من أصعب و أعقد و أسوإ الوضعيات التي مرت بها أمتنا و مر بها حزب البعث ، منذ تأسيسه قبل سبعة عقود، جراء غزو العراق من قبل الامبرياليات الغربية و احتلاله، أمريكيا و إيرانيا، و ما استتبع ذلك من ظروف قاسية ، غير مسبوقة، في التاريخ، طالت تدمير قطر العراق، كقلعة حررها البعث من الامبرياليات الغربية 1968، ؛و طالت حزب البعث كرأس رمح في مواجهة أشرس و أقوى تحالف دولي معادي للعرب و دينهم و حضارتهم. كما أن من ارتدادات ذلك الغزو سعي الأنظمة العربية التبيعة أجنبيا لاجتثاث حزب البعث ، فكرا و تنظيما، في كل الأقطار العربية، مدعومين في ذلك بمال الرجعيات العربية و بإعلام التنظيمات الإسلاموية المرتبطة بها و بالاستخبارات البريطانية و الأمريكية.غير أن أصعب ما في هذه المحنة ، ليس الاجتثاث على أيدي العدو و لا الخدوش الناتجة عن الخصوم المحليين في كل قطر، و إنما الأكثر إيلاما و أعظم خطرا هو ما يتهدد الوحدة الداخلية للحزب و تماسك تنظيمه على المستوى القومي.
أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.
إن الرواد المؤسسين للبعث و حزبه لم تغب عنهم عظمة الأخطار و حجم المصائب و المحن التي ستواجه البعث و البعثيين، في مستقبلهم، بالنظر لعظمة الأهداف و المبادئ التي تأسس من أجلها حزب البعث، و بالنظر لخطر هذه الأهداف على العدو الحضاري، … و قد نبه هؤلاء الرواد ، في طليعتهم الرفيق الأستاذ ميشل عفلق، إلى أن المهام النضالية للبعث من العظمة بحيث لا يتحملها و يستمر في تحملها إلا أقلية من صفوة الصفوة من أبناء الأمة. و تأسيسا على هذا الوعي الثوري المتقد و بعيد الاستشراف للوقائع و القوارع القادمة على بعد عشرات السنين ، بنى رواد البعث فلسفة الحزب الفكرية على مبدأ الحيوية و التفاعل الإيجابي المثمر، من جهة مع تاريخ الأمة و ثروتها التراثية و دينها، و من جهة ثانية مع ثروة المعارف و العلوم، قديما و حديثا، لمختلف الشعوب و تجارب الأمم و التنظيمات الثورية ، كما بنوا الفلسفة التنظيمية، للحزب، طبقا لمضمون الفكرة القومية حتى يكون التنظيم تجسيدا عمليا و تطبيقا ملموسا لتوحيد الأقطار العربية على أساس السعي، بمختلف صيغ و أساليب النضال و الكفاح، لإنجاز الوحدة العربية الشاملة. فكان تنظيم حزب البعث ترجمة تنظيمية و تطبيقا ميدانيا لفكرة الوحدة العربية و مضمونها القومي. فالتنظيم البعثي- من أدنى خلية فيه و حتى أعضاء القيادة القومية، أعلى خلية فيه – هو في خدمة أهداف البعث، و البعث في خدمة الأمة و جماهيرها. و ليس التنظيم و لا البعث في خدمة أشخاص القيادة القومية، كما يحاول بعضهم إقناع قليلي الدراية و السذج من البعثيين . و إذا كان أعضاء القيادة القومية يحظون بأجل احترام ، فما ذلك إلا لأن القيادة القومية، كمؤسسة و ليس أشخاصا يأتون و يذهبون، هي التي تكتسي هذا الإجلال و تمنح ذلك التوقير لأعضائها إذا كانوا على مستوى الموقع و المسؤولية النضالية و الأخلاقية لمؤسسة القيادة القومية. و إذا كان من غير الممكن تصور حزب البعث بلا مؤسسة للقيادة القومية ، في أعلى هرمه التنظيمي، متمتعة بأعلى درجات التوقير و الاحترام من البعثيين، فإنه من الحتمي التأكيد بأعلى صوت و أفصح تعبير على ضرورة الوعي الثوري بالتفريق بين القيادة القومية كمؤسسة ثابتة في حزب البعث، و بين الأشخاص و الذوات ، المتغيرين، الذين يشغلون هذا الموقع التنظيمي السامي في حزب البعث، و هم، بطبيعتهم الإنسانية، قادرين أن يكونوا أهلا لهذا التقدير و التوقير بما يؤهلهم له صدقهم و إخلاصهم و قدراتهم المتميزة في أدائهم ، أو أن يكونوا غير جديرين بالتقدير و الاحترام لأشخاصهم نتيجة انحراف مبدئي أو رداءة في الأداء، أو هما معا.
أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.
إن القيادة القومية ، كمؤسسة و كمضمون، و لدورها و موقعها الحساس، هي المعين الصافي الذي يمد التنظيم البعثي ، في كل قطر، بالقيم النضالية ، و يغرس في الشعب العربي روح التضحية، و العقلانية و التفكير الحداثي والأصيل ، و الإقدام و الاقتحام لخدمة البعث و أهدافه العظيمة. ؛ و مؤسسة القيادة القومية تتقدم – برشدها و تبصرها، بما اختزن أعضاؤها من تجارب نضالية و خبرات إدارية و حياتية ، و بصفاء ضمائرهم – بوسائل و أساليب إصلاح الأخطاء التنظيمية و تقويم الانحرافات الفكرية، بعيدا عن روح التسلط و التوسل بالموقع لفرض الاتجاهات السلبية و الخاطئة و الرديئة و المنحرفة مبدئيا في الحزب، أو أن تفرض الأشخاص عديمي الكفاءة و المردود النضالي على التنظيمات الحزبية. إنه لو دققنا النظر في تعقيدات الأزمة التنظيمية التي يجتازها حزب البعث، هذه الأيام، و ما تولد عنها من تصدعات و اصطفافات مؤلمة داخل تنظيم الحزب ، لوجدنا أنها تتعلق بثلاثة أمور : الأمر الأول الانحراف الصارخ لأعضاء القيادة القومية الحاليين عن الخط المبدئي للبعث و حزبه ، و العجز المدوي عن الاستجابة لمعاني المسؤولية في هذه المؤسسة الحيوية و الخطيرة. الأمر الثاني يتعلق بفرض أشخاص على كل قطر على أساس الولاء للأعضاء الحاليين للقيادة القومية و ليس على أساس الأهلية النضالية التاريخية أو بناء على الاختيار الديموقراطي الحر للبعثيين في كل قطر. الأمر الثالث يتعلق بقصور الوعي لدى كثير من البعثيين عن التفريق بين القيادة القومية كمؤسسة ذات رمزية عالية ثابتة، و بين القيادة القومية كأشخاص متغيرين. فقد رأينا بعض رفاقنا يستميت في الدفاع عن أعضاء القيادة القومية الحاليين ، و هم على الحقيقة يدافعون من منطلق الحرص على مؤسسة القيادة القومية، التي لا غنى عنها في حزب البعث، دون وعي بهذا التفريق بين المؤسسة و بين الذوات.
فالأشخاص أحيانا يكونون على قدر المسؤولية في مؤسسة القيادة القومية، و أحيانا يكونون دون مستوى المسؤولية، سواء نتج ذلك عن ضعف في الأداء إلى حد الرداءة أو نتج عن انحراف مبدئي، كما هو حاصل الآن مع الأعضاء الحاليين. و الحل في هذه الحالة هو احترام مؤسسة القيادة القومية و تغيير الأشخاص ( أعضائها ) الذين يديرونها الآن، بتنظيم مؤتمر قومي، و هو اتجاه تقويمي و تصحيحي وجيه يتسم بالضرورة التنظيمية و الضرورة التاريخية لإنقاذ حزب البعث العربي الاشتراكي مما يتهدده من خطر على وحدته التنظيمية و خطه المبدئي الثوري… و هو اتجاه نعلن دعمنا له بكل قوة و مبدئية و مسؤولية ، حفاظا أيضا على مؤسسة قيادته القومية و دورها و ألقها.
أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.
إن تصنيم أشخاص أعضاء القيادة القومية و رفعهم إلى مقام التأبيد في الموقع ، لمجرد وصولهم إلى عضوية القيادة القومية، سواء بالانتخاب أو بالتعيين كما هو حاصل الآن مع أعضاء القيادة الحاليين( كلهم معينون بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، باستثناء اثنين منتخبين منذ 1992 : علي الريح من السودان و أحمد الشوتري من الجزائر ) ، لهو أمر يتنافى مع الصفة الثورية للبعث و حزبه و أهدافه و مبادئه، التي انتسب إليها المناضلون، و ليس لأشخاص بذواتهم، كما يريد لنا البعض في هذه الأزمة… أما أن ينصرف الاهتمام من خدمة الحزب و دوره و أهدافه، و من تقويم القيادة القومية كمؤسسة و تقويم أدائها إلى التحزب ضد حزب البعث و أهدافه لصالح تثبيت أشخاص بذواتهم في مواقعهم بأي وسيلة و مهما كان الثمن باهظا على حزب البعث تنظيما و دورا ؛ و بحيث يصبح هؤلاء الأشخاص خصوما و قضاة في ذات الوقت على خيرة المناضلين البعثيين في تنظيمات كل قطر ، فهذا يعني نقل فضيلة الانضباط التنظيمي إزاء أعضاء هذه القيادة من طاعة حزبية حرة ، مسؤولة و طوعية إلى طاعة جبرية لسلطة “كنسية ” قهرية في الحقبة الهيلينيستية ، لا نقاش معها و لا تسأل عما تفعل، و لا وسيلة لتغيير أعضائها إلا بموت أشخاصهم، و قد يعملون على نقل صفتهم القيادية ، في مؤسسة القيادة القومية ، لورثتهم من أبنائهم ، كما انتقل الموقع الحزبي من الأسد الأب إلى الأسد الابن. إن تحول موقع القيادة القومية من سمة النضالية و الحركية لأفرادها، صعودا و نزولا، دخولا و خروجا، إلى سمة سلطة متكلسة قارة … طاردة لمبدإ الكفاءة و النزاهة من داخل التنظيمات البعثية – بحيث ينحصر دورها في مطاردة البعثيين المتميزين، من أصحاب العناوين و الألقاب المشهود لهم في ساحاتهم القطرية بالنضال، بالفصل و التجميد و التشويه و التلفيق… و تطهير الحزب من ذوي الضمائر الحية و المندفعين بذواتهم في سبيل البعث و حزبه – يحيل هذه المؤسسة العظيمة، التي أدارها ذات مرة عمالقة مثل الأستاذ ميشل علق، و الشهيدان صدام حسين و عزة إبراهيم، إلى سلطة مغنم يتمسك بها كل من وصل العضوية في هذه القيادة و يكافح بكل وسيلة و بأي أسلوب و يضحي بكل شيء من أجل بقائه في “سلطته ” حتى الموت ، على نمط النظم العربية المتخلفة. و في هذه الحالة تتحول مؤسسة القيادة القومية إلى قوقعة فاقدة لكل حرارة نضالية ثورية ، و خالية من أية حقيقة تاريخية. إن نهج إفراغ حزب البعث من كوادره التنظيمية و كفاءاته النضالية و من كبار مثقفيه و إعلامييه ليس نضالا أبدا. فلمصلحة من هذا الفصل الجماعي لأفضل كوادر البعث ؟ و لمصلحة من هذا التجميد الهستيري لنشاط أبرز المناضلين في البعث؟ و لمصلحة من تلك ” التصفية القادمة”بحق كل من سيرفض الاجتثاث التعسفي لأطر و كوادر حزب البعث من داخله ؟ و لمصلحة من هذا التفرج الغريب اللامسؤول و عدم الاكتراث ” المدهش” من أعضاءالقيادة القومية الحاليين إزاء تمزق وحدة الحزب و تعمق القلق على مستقبل الحزب؟ و لمصلحة من حرب التشويه على كفاءات البعثيين و نشر الأسرار الداخلية للحزب في العالم الافتراضي، و نقلها لأشخاص أشّر الحزب منذ عقود ارتباطهم بالأجهزة الأمنية … فهل يعقل أن تصدر مثل هذه السلوكيات و الأعمال … و الاستهتار من خلية أنصار في حزب البعث العربي الاشتراكي أحرى أن تصدر من أعضاء قيادة قومية؟ و هل يعقل أن يدافع بعثيون أصلاء عن هذه الأفعال ، تضحية بالبعث و أهدافه و تاريخ نضاله و سجل شهدائه لحساب بقاء أشخاص بحجة احترام التموقع الهرمي ؟ و هل يعقل أن يكون بقاء أشخاص في موقعهم أولى من بقاء حزب البعث و دوره النضالي التحرري، و من تفعيل مؤسسة قيادته القومية؟ أليس من الأنسب مبدئيا ، لو أن الأمر في نصابه، أن يتخلى أعضاء القيادة القومية الحاليين ، مهما كان تقييمهم لأزمة الحزب و عوامل اندلاعها، عن مواقعهم خدمة لوحدة الحزب و تماسك تنظيمه و تمسكا بخيرة مناضليه ، و استمرارا لدوره النضالي … ما الذي يمنع أعضاء القيادة القومية الحاليين من إعلان تخليهم عن ” مكاسبهم المعنوية” التي تمتعوا بها عقودا من أجل وحدة الحزب و تعزيز تنظيمه : هل دفعهم لهذا الاستهتار بمصير الحزب تلوث الضمير، هل هو ضعف الوعي ؟ أم بسبب الارتباط بأجندة قوة خارجية غالبة على أمرهم ؟… و أية قيمة نضالية أو تأثيرية ينتظرها أعضاء القيادة القومية الحاليين عندما يعتمدون على أشخاص بلا مصداقية بين البعثيين في أقطارهم يخلعون، هم، عليهم “شرعية” بلا مضمون نضالي ؟ و ما هو مصير حزب البعث إذا كانت أعلى قيادة فيه تفتش فقط عن العناصر الضعيفة و الرديئة أو المضطربة عقلا و سلوكا … أو تنقب عن الذين ليس لهم رصيد نضالي مطلقا و لا يمثلون “طعما و لا رائحة” بين رفاقهم، منذ عقود؟
إن استعادة الحزب لعافيته التنظيمية هو رهان تاريخي تقع المسؤولية فيه على جميع البعثيين ، في المقدمة منهم، أعضاء القيادة القومية الحاليين، الذين ، بحكم الموقع و التاريخ، يتحملون أعلى درجات هذه المسؤولية و نتائج الأزمة . و إن أحسن ما يقدمه أعضاء القيادة القومية الحاليين ، في هذه الحقبة بالغة السوء، هو ترك كل ساحة تفرز أحسن من فيها من المناضلين و القيادات ، لقيادة أقطارهم و تنظيماتها؛ و أن تلغي هذه ( القيادة القومية ) كل قراراتها السابقة التي ألحقت ضررا فادحا بالحزب و مقاومته في العراق المحتل و في الجزائر و تونس… و لا ندري أي قطر سيكون عليه الدور غدا أو بعد غد فيكون ضحية لهذه التصفية بالجملة و لمقالات السفاهة و حملات التشويه . إن العناد بعزة الخطأ و مراكمة الأخطاء و الاستمرار في هذا النهج المنحرف لن يزيد إلا تعميق الجروح و إلا إضعاف صدقية و مصداقية أعضاء القيادة القومية الحاليين في الساحة القومية كافة؛ بل إن الأخطر من ذلك هو أن تتولد ردة فعل انتقامية عدمية ، داخل البعثيين، جراء التصفيات الجماعية من خيرة الرفاق، تدعو لحذف مؤسسة القيادة القومية من أساسها، و هو ما يعني نسفا لفلسفة البعث في وحدته التنظيمية و الفكرية على المستوى القومي، و عودة ،بقوة، للحزبية القطرية، و هو ما لا يقبله إلا منحرف مدمر. إن مواصلة أعضاء القيادة القومية الحاليين في هذا النهج التدميري لصرح البعث من أساساته هو ما أدى إلى انتفاض حزب البعث بكل تنظيماته في كامل أقطار الوطن العربي ضد هؤلاء الأشخاص في عصيان تنظيمي جارف سيفضي لمؤتمر قومي يطوي صفحتهم للأبد … إن انسحاب أعضاء القيادة القومية الحاليين ، اليوم و ليس غدا، من الحياة التنظيمية ، في مؤسسة القيادة القومية، و تفرغهم لكتابة مذكراتهم النضالية و إعداد الكراريس و المواضيع التثقيفية للكادر الحزبي هو أشرف مخرج لهم ، كأفراد، و هو أفضل حل للخروج بالحزب، بأقل الخسائر، من هذه الأزمة المؤلمة. إن أعظم شيء يصححون به أخطاءهم المتراكمة و تقصيرهم المدوي هو خلق بيئة مصالحة لوضع حد لهذا الخصام العبثي، وصولا لتنظيم مؤتمر قومي يفضي لانتخاب قيادة قومية جديدة تتمتع بالحيوية و الرشاد و القوة المعنوية ، و تتسامى و تسمو بالحزب و مؤسسة قيادته القومية عن الدرك الذي تردت فيه، بعد استشهاد الرفاق صدام حسين و عزة إبراهيم، و تعيد لها دورها اللائق المنوط بها تنظيميا و جماهيريا، و يبعدها عن الطقوسية الشكلية على مثال ما هو حاصل في القطر السوري، حيث توجد هيكلية البعث و شعاراته، مع ضلال الضمير و السفاهة و نفي البعث في أهدافه و مبادئه و معانيه ، و الزج باسم حزبه في كل شائنة، مثل تحالف ( أسد و قيادته ) مع ملالي إيران في حربها على العراق 1980 و تحالفها مع عملاء الأمريكان و إيران في العراق بعد غزوه و احتلاله ، و مثل المساومة، سرا ، مع الكيان الصهيوني. و في سياق الدعوة للارتقاء بهمم الرفاق، فإننا نهيب بهم كافة ، حيثما يجدون أنفسهم في هذه الأزمة، أن يدركوا أن أي موقع أو امتياز نتج لصالح رفاق بقبولهم لإجراءات جائرة تنظيميا و منحرفة فكريا بحق رفاقهم من قبل الأعضاء الحاليين للقيادة القومية، سيجد أصحابها أنفسهم ذات يوم ضحايا لذات التصفية الجائرة، بعدما يكونون خسروا حزب البعث و نهجه القومي المبدئي الثوري. كما نهيب بالجميع إلى الكف عن التراشق بالبذاءات اللفظية على الفضاء الافتراضي، و نشر الحياة الداخلية للحزب.


أيها الرفاق.. أيتها الرفيقات.

 
لا يسعنا في ختام هذا المؤتمر أن نشيح بالنظر عن تلك الروافد من تلك الواجهات في قطرنا ، التي تؤدي في بعض أنشطتها، قسطا من المسؤولية الثقافية و السياسية لحزب البعث، في موريتانيا، مثل إحياء المناسبات الحزبية ، و تخليد ذكرى استشهاد رموز و قادة البعث كالتأبينات السنوية للشهيد صدام حسين و رفاقه… و في هكذا مناسبة سعيدة ،بالنسبة لكل بعثي مبدئي صادق و مخلص ، يعلن المؤتمرون أن حزب البعث في موريتانيا ينفتح بكل إيجابية على كل البعثيين الموريتانيين الصادقين ، خارج التنظيم، الماسكين بالبعث كمادئ عامة و فكرة عروبة مفتوحة، و يؤكدون على استعدادهم للتنسيق مع هؤلاء البعثيين على طول الخط المبدئي في القضايا الوطنية و القومية التي تجمعهم.
و يبعث المؤتمرون بشكرهم لجميع البعثيين، خارج التنظيم أيضا، الذين يناضلون بالكلمة في مقالاتهم و بصماتهم الصوتية في منصات الرأي بوسائط التواصل الاجتماعي … و للذين يقدمون الإعانات المادية و المؤازرة المعنوية للبعثيين المرضى و لعوائلهم في الوضعيات الصعبة… و الشكر موصول لكل من سعى إلى تخفيف الحصار عن البعثيين، بأي صيغة و من أية جهة فردية كانت أو جهة سياسية أو حزبية، مهما تكن. كما يعلن حزب البعث – في موريتانيا- بمناسبة مؤتمره القطري لكل الفرقاء استعداده للشراكة و التعاون، في هذه الظرفية الخطيرة من أوضاع العالم ، مع كل القوى الوطنية، أحزابا و نظاما، التي تلتقي معه في الأهداف، كليا أو جزئيا، بما يخدم مصلحة الشعب الموريتاني في استقراره السياسي و تقوية لحمته الاجتماعية و توطيد هويته العربية و استقلاله الثقافي و اللغوي المتعدد داخل وحدة مجتمعه، و بما يصب في تغيير جدي ناجز للواقع السيء الذي يعيشه الموريتانيون، ينهي حقب التسيب و تسيد الفساد و المفسدين ، منذ عقود، و بما يجنب قطرنا خطر تداعيات التطورات الدولية الجارية…
ثالثا.
انتخاب قيادة.
طبقا لحرية الاختيار و التصويت الحر و المسؤول انتخب الرفاق المؤتمرون أمين سر و قيادة قطرية
و بعد استكمال التدخلات و الملاحظات، تم تدوين توصيات الرفاق لإدراجها في الوثائق الداخلية للمؤتمر و الأخذ بها بعين الاعتبار و التنفيذ، كل منها بحسب الظرف و المجال المخصوصين.
دمتم للنضال.. و لأمتنا المجد و الخلود…


يوليو/ تموز 2022.


قيادة قطر موريتانيا.